المشاركات الشائعة

الأحد، 5 يناير 2014

قصة قصيرة __ عزلة .. __ سعدي عباس العبد العراق .....



 
 
قصة قصيرة __ عزلة .. __
سعدي عباس العبد
العراق .....

_* كما يحدث في اوقات متباعدة , ينحسر الهواء في بادىء الامر , فاهجس ببدني المتعرّق كأن خيوطا دبقة تنسج حوّله لفائف صمغية . فيبلغ بي اليأس نقطة حرجة .. فاطلق صوتا ساخطا , فلم ارَ احدا يبدي ادنى اكتراث لما يحدث ليّ !! ..فيظل هتافي الساخط يتصاعد , كأنه يتدفق وسط برّية مقفرة ... فيخيّل ليّ انّ سنوات طوال مرّت على صراخي او هتافي ! . كما مرّت سنوات قاسية على انطفاء ذلك النهار , الذي تعرضت فيه لمحاولة تصفية جسدي او القتل العمد .. فما زلت اتذكّر تلك اللحظة الدامية : كنت ماشيا وقبل انّ اجتاز منعطفا مقفرا , هويت بغتة كأي كتلة هشّة ,.. مازلت اتذكّر ازيز الرصاص الذي اخترق ساقي وحفر ثقوبا في اجزاء من بدني .. حتى النهار مازالت ملامحه مطبوعة في ذاكرتي , .. كأنه هذا النهار الذي اطلق فيه هتافي الساخط . دون ان يعبأ بي احد من الاسرة العديدة الافراد , ..
منذ متى وانا اتضور وجعا ... ؟ لابد إني شخت كثيرا ..فملامح الشيخوخة اتحسسها في حركتي الخاملة ..فامتدت يدي الخاملة تتحسس سحنتي التي لم ارها منذ وقت عصيب في المرآة .. تلمست تجاعيد نمت قبل الآوان ..فكّرت بالسنوات التي اعقبت صرختي الاوّلى . فخيّل انها كانت من اسوء السنوات .. ولكن ماكان يدهشني هو اني ما زلت اتذكّر تفاصيل الحادثة . حادثة القتل العمد . التي لم يمرّ عليها سوى شهور فكيف تناسلت وتمدّدت وغدت سنوات مديدة.. فلابد انّ امرا مهولا قد حدث في ذاكرتي .. فبت على يقين اني لست واهما .. فكّرت بزوجتي التي لم تمت للآن ..رغم مرور كل تلك السنوات العصيبة , الحافلة بالقتل والإبادة .. فاتساءل : لماذا لم اعد اراها !! ؟ منذ الحادثة الدامية التي جرت ليّ قبل سنوات عديدة خلت . على ماظن او هكذا كانت تتراءى الامور .. الجميع كانوا يتحدثون عن تلك الحادثة ..ولكن لم ارَ احدا ممن اسرفوا في سرد وقائع وهمية يتحدثون عني بحميمية زائفة في الغرف المغلقة ... وكأي ميّت مذ سنوات !! اقصد لم اعد املك صفاتي المهيّبة ... فلم يلتفت احد إلى ما يحدث ليّ تحت سقف الغرفة . السقف الذي بات ينضح رطوبة وغبارا ورائحة عطنة , اهجسها تندفع في الهواء المتسرب في هبوب لاذع من الثقوب التي تحتل اغلب مساحته , وتضوع من الرطوبة التي نمت بفعل تساقط الامطار المتراكمة عبر الثقوب ..ففطنّت دهشا حالما تذكّرت [ اطفالي ] فلابد انّ عودهم الناعم قد نما وبات متماسكا وربما شاخوا , وفتّت السنوات عظامهم , ! من يدري ... فانا مذ سنوات بعيدة لم ارَ احدا منهم , مذ انتشار الدمامل التي احتلت مساحة متعفّنة من اطرافي السفلى المشلوّلة .. قبل انّ ارفع عينيّ عن السقف , لاحت ليّ زوجتي واقفة عند مدخل الباب , المشّرع على ممشى تسيّجه جدران غرف عديدة .. فاعتراني الفزع متزامنا مع انبعاث رائحة كريهة , كأنها تتدفق من بركة راكدة .. في تلك اللحظة . اللحظة التي بدت ليّ بعيدة , موغلّة في زمن سحيق !! تذكّرت تلك الوقفة .. ولكن متى ..؟ ..متى رأيتها تطل بقامتها الفارعة ومن ذات المدخل الشاخصة عنده الآن تتطلع بعينين مشعتيّن بريقا يلتمع لاصفا ساحرا للغاية , كفصوص الماس ... بماذا كنت افكّر إبان تلك الفترة ..؟ او في ذلك الوقت المحفوف بالغموض .. بماذا .. ؟ بماذا ياإلهي ..؟ وعلى حين غرة تذكّرت ..فلطمت جبيني براحة يدي الخاملة ..تذكّرت ..انّي كنت جنديا في ذلك الوقت . هائما في البراري والوديان والسفوح الملغومة بعواصف مرعبة من الموت .. متلفعا قمصلتي الفرو الرومانية والتي كانت ترتديّها زوجتي عند اشتداد البرد ابان إجازتي الدورية .. بكيت فانهالت الدموع غزيرة فصنعت خلال انسفاحها وانحدارها المتوالي ما يشبه او يماثل غشاوة من ضباب.. غشاوة رطبة مسدولة على عينيّ . فلم اعد ارى عبر تلك الغشاوة من الضباب , سوى طيف يتموج عند مدخل الباب !! ويتلاشى تدريّجيا فشعرت بروحي تتفتّت كلما ارتدّت ذاكرتي للوراء منكفئة على تلك البراري ... كيف استيقظت تلك البراري من نومها الطويل في ذاكرتي ..؟ تذكّرت وانا استعيد عبر ذهني المشوّش , ملامح الطيف الذي هو زوجتي , والذي غاب قبل برهة , او تحوّل إلى محض ذكرى شاحبة , من تلك الذكريات التي شرعت تتكاثر عقب حادثة القتل العمد ,... لماذا بت وحيدا إلى هذا الحد المسرف في الانطواء والعزلة .. حتى الطبيب لم يعد يتفقدني ... يخيّل ليّ اني مازلت اطلق الصراخ !! اطلقه وانا اموت على مهل , . لشد ما يؤلمني انّ اموت في هذا البيت , او القبو الرطب , فجعلت افكّر بالنزلاء اين همّ ؟ فمنذ مدّة غائمة , مدّة ليس لها ملامح محدّدة . مدّة ما . ربما تعود لزمن غامض , زمن ما , لم اكن فيه موجودا !! لا ادري ..!! ..ولكن في تلك المدّة او الفترة الضّاجة بديب الهوام والحشرات وفي الهزيع الاخير من الليل , كنت انصت لرفيف يتصاعد مع زحف ساعات الليل .. رفيف ينبجس من فراغات مبهمة مكتظة بالوشيّش . وشيش يرف ويحوم ,في الهواء . فيضيء في ذاكرتي على غير توقع ذكرى البراري الناضحة رائحة حديد صدىء ..اهجس بالرفيف يتصاعد هائجا . فتمتد يدي الخاملة في الظلام , اتحسس دبيبا لاذعا ينزلق على ذقني النامي , فيصيبني الهلع حالما تلمس اصابعي كائنات لزجة ترف مذعورة في الهواء .. كائنات تلتمع مثل حشرات فسفورية . فشعرت اني اموت في تموجات ضؤية تنبجس من الدمامل المتقيّحة , فاطلق صرخة مكتظة بالخوف والرعب , ارتجت على اثرها اطرافي , وتراكض النزلاء مذعورين , لمحتهم في الظلام مثل حشرات كبيرة تلتمع . لاحت لعيني زوجتي حشرة كبيرة , او كبيرة الحشرات , تلمع كقبس مضيء يتموج في رفيف متلاحق .. كما لمحت حشرات أخر تمد اذرعها او مجساتها الطويلة إلى السرير كأنها تبحث عني في ظلام الغرفة الرطب .. .. انتظرت سنوات قاسية لم ارَ خلالها أبي الا في اللحظة المريرة التي كنت احتظر فيها ,... جعلت احدّق في التماعات النزلاء .. كنت اتحاشى النظر إلى وجه ابي شيخ الحشرات المضيئة ... فوجدتني اتخبط في لزوجة الاذرع الحشرية التي شرعت تتحسس الدمامل . في تلك اللحظة شعرت اني لم اكن موجودا !! منذ واقعة القتل العمد واني كنت اموت ميتات متنوعة تتكرّر باستمرار في بيت الحشرات . / انتهت ../


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق