المشاركات الشائعة

الجمعة، 16 مايو 2014

صحيفة الثقافي ثقافي / العدد 22 .. السنة الأولى / أفتتاحية العدد يكتبها : القاص العراقي سعدي عباس العبد ..












صحيفة الثقافي ثقافي ...........

صحيفة ثقافية أسبوعية ، تصدر من على صفحات المنتدى الثقافي ثقافي ...
العدد 22 / السنة الأولى ..

أفتتاحية العدد يكتبها :
القاص العراقي سعدي عباس العبد ..


** الإحساس بالمكان : مقهى الميثاق / أنموذجا
سعدي عباس العبد .... العراق
_________________________


الامكنة في تغيّرات مطردة ..في نمو متلاحق .. الامكنة تفقد لوّنها ورائحتها ..تضيق مساحتها فتضيق معها نفوسنا .. تنحسر ملامح الامكنة , تأخذ شكلا غير أليف . فتنحسر معها ارواحنا ..وكلما تنحسر او تتخفى معالم وسمات الامكنة _ امكنة الطفولة _ تتسع مساحة الذكريات وتغدو اشد قدرة في التأثير او في تغذية قنوات الحنين بمزيدا من التوق واللهفة لبيت الطفول الاوّل ..او الذكرى او المأوى او المكان .. المكان لا يتلاشى , بل يزداد حضورا , ويتجدّد بكر السنوات . لا يمحى , بل يؤثث باستمرار , تؤثثه صور تنتجها المخيّلة تسقطها على روح المكان .. صوّر مغلفة بعلب من الذكريات والحنين و نكهة من حرارة ورائحة الطفل الذي كناه ذات وقت ما , مَن منا اصابه او شابه التغيير او نال منه .. المكان ام نحن .. ؟ الامكنة كوجود موضوعي قائمة بذاتها ..مكتفية بوجودها تتبدل وفق قوانين الطبيعة شكليا ..وغالبا وفق حاجات وتطلبات الانسان ..ولكن للامكنة وجوها عدة ..لعل الوجه الاكثر اشراقا والذي نقصده ونعنيّه . هو ذلك الوجه الاليف .. الوجه الذي كوّن عبر وثبات الزمان المتلاحقة ذاكرة او مخزن لحفظ الذكريات , الذكريات نتاج الزمن في صلته الحميم بالمكان وانعكاس ذلك على الشعور الداخلي ..بعض الامكنة تبقى شاخصة في فضاء الوجود دون ان ينال من ملامحها التغيير ..رغم مرور السنوات ..بيد اننا نحس قد شابها شيء من التبدّل ..فتحسس رائحتها كما لو انها لا تعود للمكان .. كانها تضوع من زمن لا تصلنا به وشيجة ... في حقيقة الامر , نحن من شابه التغيير ..فتغير مذاق وطعم الرائحة .. الرائحة لم تضوع من المكان الراسخ في خواصهِ .. بل تدفقت منا , من مشاعرنا التي حفر فيها الزمان ..فجعلنا نسقطها على المكان الراكز .. فالشجرة ذاتها والجدار ايضا ذاته لم يصبهما التغير سواء في الملامح او سواها ..نحن من يتغير في تلاحق مستمر وفقا لسرعة الزمان ..والامكنة راسخة في ثباتها .. نحن من تاخذ مشاعره الوان شتى طبقا للوقائع النفسية ..ولكن ماذا عن الامكنة التي اصاب ملامحها التغيير ..فتلك المقهى التي كان تسمى او يطلق عليها مقهى الميثاق ..قد غدت صورتها الاوّلى شيء من ذاكرة الماضي ..فقد تلاشت ملامحها الاليفة , انمحت تحت ثقل ورسوخ جدران عمارة او بيوتات بطوابق عديد وتلك المساحة الفسيحة التي كانت تشغلها تخوت المقهى اصبحت مرآب ..التغير الذي حدث للمقهى افقد الشارع العام احدى علاماته التي تشير اليه وتدلّل على وجوده .. باختفاء المقهى تحت شكل جديد للمكان ..تلاشت علامة الشارع . العلامة الفارقة التي كان يتميز او ينفرد بها الشارع ..باختفاء العلامة ..قد اجهز على روح المكان ..باختفاءها ايضا , اختفى شيء ما غامض من داخل الانسان ., التغير الذي طال المكان طال ايضا مشاعر ونفس الانسان __ الانسان الذي له وشيجة بالمكان او المقهى __ .. الامكنة علامات واخواص ودليل ومرشد التائهين .. فمن يقصد الشارع المعني كان دليلة او النقطة الدالة او العلامة ..المقهى علامة الشارع ورئته التي يتنفس عبرها التائهين و الرومانسين !!_ كم يحتاج المكان من سنوات . كي يرسخ شكله الجديد في الذاكرة .. كي يألفه جيل آخر .. يتآلف مع امكنته .._ الامكنة روح والفة ورائحة ..اختفاء علامة الشارع ..القت بظلالها على من له صلة من نوعا ما , بالشارع , وبالتالي انعكس ذلك التغير على نفسيته او داخله ..المقهى التي ارتدت شكلا اخرمغايرا تماما . ليست ذكريات واحداث مؤرشفة في الذاكرة عن المكان فحسب , انما هي تعني على نحو ما , الزمن في تمدّده طبقا لنمو الانسان في نظرته او رؤيته لزمن .. فاليوم في طفولتنا . كم يبدو طويلا بساعاته الماشية على مهل .. حتى اذا ما مرّ اسبوع على ذلك اليوم ..نتصور وكأن عاما كاملا مضى عليه , فالزمان نسبي في تلاحقه .. يتباين بالطول او المدة طبقا للمراحل العمرية , فامكنة الطفولة التي لم يترك الزمن تأثيره او فاعاليته عليها بعد ..تتبدى لدى الطفل كما لو ان ازمنة مهولة مرت عليها ..فيتضاعف شعوره باهمية والفة المكان المقصود.. وتحدث تغيرات سيكلوجية في بنيته الداخلية ويستغرق بسرد حكايات حلُمية الى لداته او اترابه ممن يماثلونه في السن والاحلام الرومانسية المبكّرة او التي لم تزل تتبرعم في النمو ..موضوعة الطفل والمكان او علاقته بالمكان . موضوعة تحتاج لمتخصصين لتغطيتها



سعدي عباس العبد .. قاص وروائي من العراق



__________________________________________








بعض من طقوس الكتابة / قاسم محمد مجيد الساعدي .............











 
بعض من طقوس الكتابة
قاسم محمد مجيد الساعدي


لم اكن مغاليا في استعارة اهداء كتبتة الروائية العربية غادة السمان في مقدمة روايتها ( السباحة في بحر الشيطان ) وهو اهداء حمل مضامين كبيرة ( الى حبيبي المفترس الذي يسبح احيانا في بحيرة الشيطان فلولا لما كانت ولولاه لظللنا جميعا كائنات داجنة تسبح في اسطبل الاراء المتوارثة السائدة والمفهوم المحنط لمهمة العقل )
هذا الفضول قادني الى البحث عن طقوس الكتابة لدى بعض الكتاب والشعراء والذين تركوا
وصفا لاسلوبية عملهم بعضها حملته كتب السيرة والمفكرات اليومية والبعض الاخر من خلال المقابلات معهم من المؤكد ان المهتمون بادب السيرة هم اكثر وصفا لاسلوبية عمل بعض الكتاب والشعراء
وقد حملت تلك السير نماذج من طريقة الكتابة والطقوس المرافقة لها .. ففي مذكرات الاديبة فرجيينا وولف نقرأ انها تقف لحظه تأمل اما مكتبتها قبل ان تشرع بالكتابة .. والروائية ماريا كورش لاتهتم لصخب الاطفال في منزلها وهي تمسك بالقلم لتبدا في كتابة روايتها , وطقوس الكتابة مختلفة من كاتب لآخر فالكاتب بلزاك تعود ان يكتب ليلا" كذلك الكاتبة الفرنسية كريستال ايجال ...لكن تشارلز ديكنز لايكتب الا عند الفطور وأميل زولا لايكتب الا الساعة العاشرة صباحا ولاينهض من مكتبة الا بعد الساعة الواحدة ظهرا" والكاتب الكبير ديستوفسكي يقرا على نفسه مايكتب بصوت عال وجيميس جويس الروائي الامريكي لايتهيا لكتابة النص الا وهو واقف يماثله الكاتب الفرنسي البيركامو الحاصل على جائزة نوبل للاداب .... لكن بعض الطقوس تبدو غريبة فلا يكتب صاموئيل بيكت مؤلف المسرحية الشهيرة في انتظار غودو الا وهو جائع ... وهنريك ابسن وهو مسرحي اخر يضع عقربا" في قارورة فوق منضدة لحظة البدء بالكتابة او جان كوكتو الذي يضع عقربا حي في كاس مقلوبة ومن غرائب الطقوس ايضا ان الكاتبة اجاثا كريستي تغطس في بانيو الحمام لساعات كي تاتيها لحظة كتابة رواية او حل عقدة مستعصية فيها
وشاعر الحب نزار قباني يكتب غالبا وهو مستلقيا على الارض والراحل ماركيز تستهوية الكتابة على الة الطابعة ... مثلما استلهم الروائي الكبير جبرا ابراهيم جبرا رواياته من السير على الاقدام في شارع النهر في بغداد
وفي زمن التطور الهائل الذي نعيشة جاء كيبورد الحاسبة ايذانا بعصر جديد من التنافس بينه وبين القلم و انساق كثيرون مع هذه الثورة فهجر القلم وعشق هذه الالة واعتبروا ان القلم صار جزءا من الماضي لكن الاعتزاز بالكتابة بالقلم تصل حد الهوس كما تبين لنا الكاتبة ماري غوردن (انني اتحدث عن اقلامي ودفاتري كما يتحدث سلطان عثماني عن جوارية الحسان ) رغم ان العلاقة بين الشعر والكومبيوتر مدعاة للحيرة كما يقول الكاتب اللبناني ( عبده وازن)
ورغم ان البعض مازال حريصا على ان تكون طقوسا ما ترافق عملية الكتابة الا ان اخرين ليست لديهم اي طقوس محددة لحظة الشروع فيها مثل الاستماع الى الموسيقى او تحديد مكان معين او التنقل من مكان لاخر لكن شعراء عراقيين التقت بهم احدى الوكالات أجمعموا على ان الهدوء يمثل الركيزة الاساسية في الكتابة الشعرية وربما ذلك هو جزء من طقوس اخرى نضيفها لباقي الطقوس



قاسم محمد مجيد الساعدي .... شاعر وصحافي من العراق



_________________________________





أثر الليالي العربية على رواية ( أرض الزعفران ) للقاص العراقي حميد الحريزي أحمد فاضل ..... العراق ........













أثر الليالي العربية على رواية ( أرض الزعفران ) للقاص العراقي حميد الحريزي
أحمد فاضل ..... العراق


تأخذنا الرواية القصيرة " أرض الزعفران " للقاص العراقي حميد الحريزي إلى أجواء الليالي العربية وهو المصطلح الأكثر حضورا من ألف ليلة وليلة بعد ان تجاوزت الليالي تلك حدودها المعروفة فلم تعد شهرزاد الراوية الوحيدة لها بعد أن غادرتنا هي وشهريار منذ قرون طويلة ليجلس لها الحكائون في مناطق واسعة من هذا الكون ينسجون على منوالها ما جادت بها القرائح حتى تكدست أمامنا مئات القصص والروايات بعضها ذهب إلى المسرح والكثير منها إلى السينما بينما تحول القسم الآخر من نصوصها ليكون أدبا للأطفال ، جميعها سحرته تلك الليالي بما إمتلكته من حضور قوي على النفوس بأبعادها الدرامية وأجوائها السحرية وسردياتها المتداخلة حيث تأخذنا القصة الواحدة إلى عشرات الأحداث ما يعطيها انبهارا ودهشة حيث تسحبنا من حياتنا الدنيوية إلى عوالم أخرى لايمكن لنا أن نتصورها ، ومنذ اكتشافها ووصولها أوربا في القرن الثامن عشر أصبحت أجيال من القراء الغربيين تتناولها بسبب حكاياتها الغريبة وأحداثها الرومانسية حيث تأثر بها الكثير من كتابها كالسير والتر سكوت ويوهان فون غوته ووليام وردزورث وراينر ريلكه وتاليسمان وروبرت لويس ستيفنسون وصامويل تايلور كولريدج وتشارلز ديكنز ، فلا غرو أن نجد كتابنا العرب يركبون موجتها ليأسروا مخيلة العديد من قرائهم بحكاوى جديدة تقترب من ضفافها القديمة بروح العصر أحيانا أو تلبس برقعها لتخترق تلك الأجواء السحرية هذا ماوجدنا عليه رواية " أرض الزعفران " للقاص حميد الحريزي الذي حاول أن يختار مدينة عتيقة من مدنها وأشخاص لاينتمون لعصرنا بالقدر الذي تحوم أرواحهم حولنا .
يقول الأستاذ الدكتور علي حداد متحدثا عن ذات الموضوع بشيئ من التفصيل :
- يضع دارسو الفلكلور الشفاهي للشعوب الحكاية الشعبية في ثلاثة أنواع : فهناك الحكاية الأسطورية ، والحكاية الخرافية ، والحكاية الشعبية المحض ، ومع حصول شيء من التداخل بين المفاهيم وأنساق التشكيل التي تنهض عليها تلك الأنواع السردية الشعبية فإن تلمس حدود من التقنين هي التي تفصح عن مساحة التخصيص التي تتمثلها في سماتها والمقومات التي تتأسس عليها ، فحين تكون الحكاية ذات تشكيل متعلق بتفسير الظواهر وموجودات الطبيعة ، أو تلك القوى الغيبية ذات القدرات الخارقة التي تتحكم من خلالها بكل ما حولها ، فتفرض سطوتها على الإنسان ومحيطه الطبيعي والإجتماعي فإن الحكاية تكون ذات طبيعة أسطورية ، أما حين تكون الحكاية منتمية إلى عالم بشري واضح الملامح وواقعي في سلوكه وشخصياته وما يقع له فإن تلك هي الحكاية الشعبية المحض ، وبين هذين النوعين تقع الحكاية الخرافية التي تختط لها تمايزا واضحا لها .
حميد الحريزي في روايته هذه ذهب بخياله لينهل من جميع الأجناس المكونة للحكاية الشعبية بما فيها الأسطورية والخرافية والشعبية فأحداث الرواية تغطي فترة زمنية مطولة في الخيال وتشتمل على شخصيات عديدة ، لكن السارد يكتفي بوضع عدد محدود من الشخصيات في الصدارة على أساس دورها الأساسي والمفصلي في مجريات الرواية مثل ( ضوية ) ، ( فرحان ) ، الشيخ ( إدريس ) الذين سنجد آثارهم قد غطت على مساحة واسعة من ( أرض الزعفران ) ، تلك المدينة الوادعة التي يتقلبون فوقها ليصنعوا لنا أحداث الرواية التي تألفت من خمسة فصول كان أولها ( الولادة ) أو التعريف بالحدث المهم الذي ستعيشه هذه الأرض ففي :
- " أرض الرز والتين والرمان , أرض الإنس والجان , ولدت ضوية في أرض الزعفران ، الطفلة الوحيدة لأبيها فرحان وأمها نورهان كانت في غاية الحسن والجمال ، أطلت على الحياة فجر يوم ممطر غائم إنقشعت غيومه وأشرقت شمسه وغردت أطياره حالما لامست قدميها أرضية بيت فرحان حيث تنبه العديد من النساء والرجال والأطفال إلى غرابة ما حصل وفرادته وتزامنه مع انطلاق الصرخة الأولى لها ، المولودة التي لم تخرج إلى النور إلاّ بعد أن إنصرمت عشرة أيام من الشهر العاشر ، لا حظ أهل الدار أن العتمة والظلمة كانتا تنحسران ليحل محلهما النور والضوء في البيت بقدر ما يظهر من جسمها خارج رحم أمها حتى بدا البيت مضاءًا كشمس الصيف في رابعة النهار مع صرختها الأولى ، مما أدهش الجدة وبقية النساء في الدار لذلك سميت بضوية من قبل قابلتها ووالديها :
- ألا تلاحظ يا فرحان أن إبنتنا أخذت تفهم معنى الكلام وهي لم تبلغ يومها السابع بعد ؟؟!!
- والله يا نورهان إن أمر هذه الطفلة لعجيب ، يبدو أنها مبروكة ومباركة .
أخذ عود الطفلة يشتد وتشتد معه غرابة سلوكها وتصرفاتها حتى إنها أخذت تمشي وهي في الشهر الخامس من عمرها دون أن تمر بمرحلة ألحبو .
نلاحظ في بداية حوار الرواية أن جرعة اللغة فيها مخففة قليلا ، لكنها تبدأ بالتصاعد في مقاطعها اللاحقة مع وتيرة الفعل ورده في أن هذه البنت ليست كسواها من البنات ، هذا ما نقرأه عندما يجلب والدها صندوقا صغيرا جميلا من الخشب المنقوش عند عودته من سوق المدينة ليكون حافظة لملابسها وبقية أشياءها بمناسبة عام ولادتها السابع وهو اليوم والشهر والعام الذي أصبح يؤرخ لما بعده وما قبله من أحداث وولادات ووفيات في أرض الزعفران فيقال كذا يوم أو شهر أو سنة قبل أو بعد ولادة ضويه ؟؟!!
استقبلت والدها مطوقة رقبته بذراعيها الناعمتين زارعة قبلاتها على وجنتيه وصدره وكفيه ممتنة فرحة بما جلب لها من هدايا حيث احتوى الصندوق على (خزامه) و (وورده) و (خلخال) فضي جميل ، ولكنها نحت كل ذلك جانبا جاذبة والدها من يده وقد تبعته أمها وبعضا ممن كان موجودا من أهل الزعفران في ديوانية أبيها طالبة منهم مرافقتها لجلب هدية مخبأة لها بالقرب من القرية ، سارت أمامهم حتى بلغت الايشان ألمطل على أرض الزعفران من جهة الشرق مسكون من الجان بعد أن كان مسكونا من قبل ملك ذلك ألزمان، قامت بتحديد منطقة صغيرة مشيرة عليهم حفرها ، وقف فرحان صامتا متأملا مستغربا مستفهما عن المكان والهدية المخبأة لها في الايشان ، وهل من خبأها من الإنس أم ألجان وكيف سلم الجميع قيادتهم لطفلة صغيرة لم تبلغ الحلم بعد التفت إليهم أبو ضويه وقد لحظ عليهم الفتور قائلا :
- لا اظن أن ابنتي تعبث بنا ، مشمرا عن ذراعيه مبتدئاً بنبش التراب في المكان الذي أشرته لهم مطالبا الحاضرين مشاركته فيما يفعل .
الروائي الحريزي ينهي الفصل الأول من الرواية لينتقل إلى فصل ثان أسماه " الصندوق " وهو ما سنشهد فيه ذلك الذي قصدناه من صعود لغوي ودرامي لأحداث الرواية ، فالصندوق الذي سيظهر من بين التراب سيكون لضوية وحدها فهي الوحيدة القادرة على رفعه من الأرض بعد أن عجزأقوى الرجال من سحبه أو من فتح غطاءه بسبب ما تتمتع به من قوى خارقة وهو الجزء الفانتازي الذي بنيت عليه الرواية كما في أغلب حكايات الليالي العربية أو ألف ليلة وليلة :
- اتركوا الصندوق فلو اجتمع كل رجال ونساء القرية سيعجزون عن فتح غطاءه او الاطلاع على مكنوناته فلا يمكن أن يفتح الغطاء إلا بأمري وأمر شخص آخر في علم الغيب حاليا إحملوه الآن ولنذهب للدار وكفوا عني أسئلتكم واستفساراتكم فما يضمه الصندوق لا يمكن فهمه ولا إدراكه من قبلكم ،عصي على الفهم على أمثالكم وقد يصاب البعض بمس من جنون لو أطلع على ما فيه فيغير ثوابته ، ويلعن ماضيه وحاضره .
- سارت أمامهم والصندوق محمولاً على رؤوس أربعة رجال فبدا وكأنه كوكبة من النجوم تسير صوب دار فرحان الكائنة في مقدمة أرض الزعفران على ضفة نهر الخيزران ، وضع الرجال الصندوق في غرفتها ، فقد اصبحت لها غرفة خاصة نظرا لكثرة زوارها ممن يطلبون منها قضاء حاجة او شفاء مريض او كشف طالع ،وعلى الرغم من كونها لم تبلغ الحلم بعد فقد أصبحت اليد التي لا تخيب في تسهيل وضع النساء معسرات الولادة في قريتهم وما حولها حتى ذاع صيتها شرقا وغربا وفي الشمال والجنوب ، ما من زواج يتم إلا بمباركتها فمن تقره يصبح نافذاً ومن لا تقره يصبح باطلا ، كانت موضع أسرار فتيات القرية ورغباتهن وأصبح نيشان العذرية للعرائس يودع عند ضويه التي كانت تغدق عليهن الهدايا والعطايا وأنواعا مبهرة من الملابس والعطور تقول انها من مقتنيات حور العين .
الصندوق هنا أصبح المستقبل الذي ستركن له ضوية حتى بعد أن تصبح بعد عدة سنوات في عمر الشباب ما سيجعل من شباب أرض الزعفران يتهيبونها ولا يفكرون حتى بطلب يدها بسبب شخصيتها القوية وغزارة علمها وأحوالها الغريبة كما يورده فصل الرواية الثاني الذي ينتهي بقدوم الرجل الغريب لينتقل بنا المؤلف إلى فصل ثالث تتصاعد فيه الأحداث حول هذا الرجل الغريب الذي نزل مدينتهم وأبهرهم بعلمه ورجاحة عقله وقوة شخصيته حتى ينتهي هذا الفصل بكلماته الأخيرة :
- يا عم لقد مرت أيام الضيافة وقد منحتموني محبتكم ورعايتكم وكرمكم وطيبتكم ، يا عم أتمنى عليك أن لا تسألني عن موطني فموطني أرض الله ألواسعة ولا تسألني عن حسبي ونسبي فأنا ابن آدم وحواء .
الفصل الرابع من الرواية جاء بعنوان الزفاف والإزدهار ليدخل بنا المؤلف مباشرة إلى أن يطلب هذا الرجل الغريب يد ضوية قائلا :
- يا عم لقد قادتني إلى دارك فرسي وكأنها مأموره أتيت لأطلب يد كريمتك التي عرفتها دون ان أراها وعرفتني دن أن تراني أو تعرف مكاني فإن وافقت أفطرت وإن رفضت قسأشد راحلتي وأرحل وأترك لك الأمر .
هذا الحدث يكاد يكون أمرا فرضته السماء لكي يلتقي إدريس بضوية لامحالة وهو من العقائد الراسخة لدينا وظفها الكاتب بإسلوب حواري جميل حتى ينتهي بطلب من والد ضوية أن يمتلك إدريس دارا له ولزوجه حتى تتم الموافقة على الزواج وهو ما حققه الأخير بما كان قد امتلكه هو الآخر من قدرات خارقة ليقوم على أرض الزعفران بين ليلة وضحاها بيتا جميلا ضم العروسان في ليلة لايجود الزمان بمثلها ، لتنتقل بنا الرواية إلى فصلها الخامس والأخير الذي أسماه الإندثار والذي سيشهد أفول تلك الأسطورة بما فيها ضوية وإدريس كما سنقرأ :
بمرور الأيام والأشهر أصبحت أرض الزعفران محط أنظار وأسفار القاصي والداني، إنها موطن الحكمة والحب والخير والسعد والعمل، وقد أصبح ديوان إدريس ملتقى للحكماء وأهل العلم والأدب ومكانا لحسم المشاكل والخلافات بين الناس من مختلف الأمكنة والأجناس، لم يقصد الديوان أحدا إلا عاد ظافرا و طلبه مجاب ومكتسبا قوة في البصر و البصيرة .
أخذت تقصد أرض الزعفران مجاميع الدراويش والمتسولين والمتسولات والفتيات الفاتنات وكاشفات الفال والساحرات من مشارق الأرض ومغاربها ، ظهرت البيوت والحوانيت والمقاهي ذات الأبواب المثقلة بالإقفال الذي لم يتعرف عليها سكان القرية من قبل فسميت هذه القرية ( بقرية الأقفال ( ،
وأخذت ترد الديوان أخبار عن سرقات وخيانة أمانات وقصص غدر وهجر و نكث عهود وغش في البيع والشراء فآخذو يحررون العهود على ورق يكتب من قبل أناس في حارة الأقفال ، أخذ التجهم وعلامات القلق تظهر على وجه إدريس وتزداد يوما بعد يوم وتمكن العث من نخر جسد الصندوق مع ملاحظة أهل الزعفران باستغراب تغير طباع إدريس غير مدركين السبب!!!
بعد مرور سنوات تفاجأ من استمر من أهل الزعفران بحضورديوان إدريس ممن لم تجتذبه مغريات قرية الأقفال ، خمود نيران موقد القهوة واختفاء رنين الفنجان الذي تشظى ذات يوم بيد الساقي سعدان دون سبب ظاهر ، رافق تشظيه صرخة مدوية من قبل إدريس وكأن الذي تشظى قلبه وليس الفنجان ، ذهب للدار لجلب بديلا عنه ولكنه ما ان يمسك بأحد الفناجين حتى يتحول في يده إلى هشيم حال إخراجه من الصندوق وملامسته الهواء ، أصيبت ضوية بالهلع مدركة أن هناك حدث خطير وشر مستطير قد حل بأرض الزعفران .
عاد إلى الديوان وهو في غاية الحزن والألم فوجد الحضور، قد أصابهم الخوف والفزع حينما شاهدوا إنطفاء نار الموقد وانقلاب دلال القهوة متقيأة ما فيها بحركة مفاجئة متدحرجة أغطيتها وكأنها رؤوس طيور ذبيحة ، أصاب المجلس الوجوم وظهرت على الوجوه غيوم الحيرة والخوف والترقب منتظرة من إدريس تفسير ما جرى وما سيحدث ، فقد كان إدريس مكشوف الرأس وقد بان رفيف شعيرات شواربه بشكل غريب مما يدل على حدث عظيم وخبر اليم ! ضوية أحست بقرب المصيبة من خلال مراقبتها لمجريات الإحداث ، اخذت الأنهار تجف والطيور تهاجر وزهور الزعفران تذبل والثمار تصاب بالعفن والحيوانات تموت بالعشرات مصابة بأمراض غير معروفه. هالها أخيرا مشاهدتها العث وقد أخذ ينخر الصندوق من كل الجهات و يتسع يوما بعد يوم بسرعة مذهلة ، ذات ليلة سمع السكان صوتا هائلا اهتزت له أركان ديار أرض الزعفران مبعثه دار إدريس فهرعوا مذعورين صوب الدار فلم يجدوا سوى كوم من نشارة خشب وعث ملأ الفضاء وهو يقطر دما في حين لم يعثروا على أثر لضويه أو إدريس ولا أثر لدارهما أو حديقتهم الغناء ، كأن بيتهم وحديقتهم قد ابتلعتها الأرض أو تلقفتها السماء؟؟!!!
وهكذا تنتهي الرواية القصيرة أرض الزعفران حاملة لنا حكما ومواعظ كثيرة حافظت على الكثير مما اشتهرت به حكايات الليالي العربية مع تشاكل التخييلي مع الواقعي بما يجعل كل منهما يحيل إلى الآخر ليحتل مكانه ويحوله من كينونة " وجود بالقوة " إلى فعل متحقق " وجود بالفعل " كما يقول الأستاذ الدكتور المصري محمود الضبع في بحثه القيم عن المتخيل السردي وأسئلة ما بعد الحداثة .
العودة إلى طرق أبواب هذه الليالي للنهل منها لم ينتهي بعد وقد نقرأ أشكالا جديدة منها بسبب أن هناك حنينا جارفا ينتاب الكاتب كلما تذكر كلمات شهرزاد وهي تقول لشهريار بعد أن أنهت حكايتها :
- مولاي هناك بقية لهذه الحكاية فلا ترفع سيفك لأن الكلام المباح لم ينتهي بعد .



أحمد فاضل ........... العراق