قراءة نقدية في النصوص الفائزة في مسابقة غاليري
الأدب للقصة القصيرة جدا.
مصطفى لغتيري ... المغرب
لعله
قد أصبح من نافل القول الدارج على ألسن النقاد والمبدعين والقراء على حد سواء أن
القصة القصيرة جدا فن التكثيف بامتياز،وإن كان من أمر برهنت عليه مسابقة غاليري
الأدب للقصة القصيرة التي نظمت خلال شهر ماي من عام 2014 فهو أنه بالفعل قد تم
تكريس هذا الجنس كنوع أدبي لا يستقيم له كيان دون هذا الاختزال في الأحداث
واللغة والزمان و المكان، وكأنه بذلك ينتصر ويمثل حق تمثيل المقولة الشهيرة،
التي سارت بذكرها الركبان وأقصد ما نطق به يوما الناقد والبلاغي الألمعي عبد
القاهر الجرجاني متحدثا عن أهم ميسم في
البلاغة حين نادى ب " تجويع اللفظ وإشباع المعنى"، وقد جسدت القصص
الفائزة الثلاثة هذا المسعى وتألقت به ، ومن جميل ما حدث ، ولا يكاد يتكرر في
مسابقات أخرى، أن أعضاء لجنة التحكيم المكون من أدباء ونقاد من المغرب و فلسطين
ومصر، كادوا يجمعون على هذه النصوص الفائزة، وحتى اختياراتهم الباقية، التي لم
يحالفها الحظ في التتويج النهائي، اتسمت
بقدر كبير من التكثيف اللغوي والعمق الدلالي.
وهكذا
لم تتجاوز القصتان الفائزتان الأوليان عشرين كلمة في مجموع كل منهما، فيما بلغت
القصة الثالثة بالكاد ثلاثين كلمة، فهل بعد هذا الاستنتاج الذي بدا طاغيا على
أكثر النصوص تقريبا يمكننا القول بكثير من الاطمئنان بأن أهم خصيصة في القصة
القصيرة جدا هي التكثيف، وحتى إن كانت تشترك في ذلك مع كثير من الأنواع الكتابية
كالخبر والنكتة و شعر الهايكو والشذرة ، فإن التكثيف في هذا الجنس ذو طبيعة خاصة
يمكن للنقاد أن يقفوا عنده بكثير من التفصيل.
بعد
خصيصة التكثيف الملحوظة في النصوص يمكننا الوقوف على جانب الطرافة في النصوص، إذ
نلاحظ أن القصاصين المتوجين اختاروا تناول جوانب معينة في الحياة بنوع من
الاشتغال الطريف غير المتداول، فأن تسعى الأفاعي مثلا إلى السلام في قصة "تزاوج"
للقاصة حليمة مصدق لا يمكن إلا أن يكون الأمر طريفا، حتما سيفجر في نفس المتلقي
الدهشة المرتجاة، ويفتح أفق انتظاره على المجهول، فيسعى –نتيجة لذلك- إلى متابعة
القراءة بكثير من الانتباه والتوقع.
أما
الطرافة في قصة "نظرة" للقاص كريم القيشوري، فتجلت في تلك النهاية
الصادمة التي تكسر أفق الانتظار العادي من فعل النظرة، التي تليها ابتسامة فموعد
فلقاء على حد قول الشاعر أحمد شوقي، فإذا بالقاص ينقلنا بشيء من الجرأة المحسوبة
له إلى الروض الذي يرافق فيه الرجل ابنته إليه، وكأنه كان مغيبا كل هذه المدة
منذ النظرة الأولى حتى اليوم الذي يكتشف فيه نفسه وقد تورط بشكل لا رجعة فيه
بالنسل الصالح.
أما
بالنسبة للقصة الثالثة "قلوب" للقاص حسن لختام ، فتجلت الطرافة في
الجملة الختامية، التي نطقها الطفل بكل تلك العفوية والبراءة الممكنتين، ولكنها جاءت
مبهرة في عمقها ودلالتها، فأن تكون قلوب المؤمنين بتلك الشساعة والكبر موازية
كبر"الله" الذي يسكنها ، فذلك مما يفجر في أنفسنا الدهشة من شيء
بديهي، لكن القاص بقدرته الإبداعية استطاع أن يجعل منه أمرا طريفا.
و لعل
هذه الطرافة مرتبطة بالذكاء كذلك ، فالقصة القصيرة جدا نظرا لقصرها الملحوظ
تحتاج إلى الكثير من الذكاء في صياغتها، وهي في ذلك تتماهى كثيرا مع النكتة، ليس
في نتيجتها أقصد الإضحاك ، بل في صياغتها ، فالنكتة أكثر أنواع الكتابة ذكاء في
رأيي لأن المستمع لن ينافقك ، فإما أن تكون مقنعا أو أنت تحكيها له لتنتزع منه
ضحكة مجلجلة أو أنك ستظفر فقط بابتسامة
مجاملة إذا فشلت في صياغتها، ومن يتأمل النصوص الثلاثة سيلاحظ –لا محالة-
ذكاء القصاصين الفائزين في صوغ قصصهم ببراعة تشهد لهم، موظفين كل الإمكانيات
المتاحة لهم لخلق اثر أدبي يستحق الاهتمام.
وقد
لمعت السخرية كذلك في النص الثاني " نظرة" وبدرجة اخف في نص الأفاعي،
الذي كانت مفارقته قوية، وأهلته بحق وامتياز لنيل الرتبة الأولى في مسابقة
"غاليري الأدب" للقصة القصيرة جدا ، في حين اختار النص الثالث "
قلوب" أن يستثمر الشحنة الإيمانية التي يتمتع بها الكثير من القراء، يكيتب
نصا بهيا شفيفا وذو معنى روحاني وصوفي، لا يخفى على العين والقلب، والذهن كذلك.
وقد
اعتمد القصص جميعها على لغة جميلة، سردية، ومحايدة في مجملها، ازدانت عند حليمة
مصدق بالتقديم والتأخير،خاصة فيما يتعلق بتقديمها للفضلة في الجملة الأولى
وتأخير العمدة وأقصد هنا تقديم الجار والمجرور في جملة فعلية ساهمت بشكل كبير في
سردية النص ومنحه الحركة المطلوبة، التي بدونها تفقد القصة أهم مقوماتها، وقد
تبعتها جمل فعلية أخرى، أظن أنها منحت مصداقية كبيرة لمن اعتبر من النقاد أن
الجملة الفعلية هي الأكثر ملاءمة لكتابة القصة القصيرة جدا.
فيما
اختار القاص كريم القيشوري افتتاح قصته بجملة خبرية مباشرة، تضعنا بلا مقدمات في
صلب الحدث ،
أما
القاص حسن لختام فقد اختار الحوار تقنية جميلة لبناء نصه، وقد سار على نفس منوال
القاصين المتوجين الآخرين في بداية قصته بجملة فعلية، مما منح قصته قوة الحركة
والنمو لتصل إلى قفلها المدهشة بكثير من السلاسة والألق.
النصوص
الفائزة:
1-النص
الفائز الرتبة الأولى:
-القصة القصيرة جدا"تزاوج" للقاصة حليمة مصدق من فرط رغبتها في السلام والتسامح، احتضنت العصافير بيض الأفاعي ..ماتت العصافير وزحفت الأفاعي تنشد سلاما آخر . 2- النص الفائز بالرتبة الثانية: - القصة القصيرة جدا "نظرة" للقاص كريم القيشوري. حدجته بنظرة ساحرة أسبغت على مخيلته نزعة شك . لما تيقن . وجد نفسه يسحب طفلة من يدها إلى الروض ! 3- النص الفائز بالرتبة الثالثة: - القصة القصيرة جدا"قلوب" للقاص حسن لختام. انتظر الطفل نهاية الأذان، ثم سأل أباه ببراءة: -أبي، أين يسكن الله؟ -في قلوب المؤمنين يابني، أجاب الأب دون تردّد. فكّر الطفل لحظة وقال متعجبا: -إلى هذا الحدّ قلوبهم كبيرة يا أبي.
مصطفى لغتيري ... المغرب
__________________________________
|
الثقافي ثقافي : صحيفة اسبوعية تعني بالشؤون الثقافية .. تصدر من على صفحات المنتدى الثقافي ثقافي . تصدر اسبوعيا صباح كل يوم سبت _ صحيفة الثقافي ثقافي لاتتحمل أية مسؤولية عن المواد المنشورة , ويتحمل الكتاب كامل المسؤولية عن كتاباتهم التي تخالف القوانين أو تنتهك حقوق الملكية أو حقوق الآخرين أو أي طرف آخر . .راسلونا :alaahamied1@hotmail.com __ اتصلوا بنا :0045.91454973 الجمعة والأحد... عطلتنا ..______ كوبناهاكن العدد ( 24 )السنة الأولى / السبت 7 / 6 / 2014
المشاركات الشائعة
-
قصيدة أيهاب ومعلم الحساب حيدر الفتلاوي العراق معلم الحساب .. أشار في أصبعه وقال : أيهاب عد لنا للعشره فقام من مكانه ...
-
لميس ملحم شاعرة من سوريا لميس ملحم تكتب قصائدها بشكل لحظوي وهي صاحبة امكانية جميلة في الكتابة وادارة القصيدة فنيا نعرض بعض ق...
-
نار مقدسية أمل حسن ... فلسطين ــــــــــــــــــــــــ لك الصخرة تغني ...
-
وسام : سالار معروف ... العراق .......... عانَقَتني بدموعٍ لَم أراها قَبلَما بقَ...
-
خِيْانــــــــــــــــــــــــ ــــــــــةٌ حسن هادي الشمري العراق السَـــيْفُ ... أَصْدَقُ أنْباءً مِنَ الكُتبِ * ...
-
حدث ذلك بعد الموت بسنوات !!!!! سعدي عباس العبد ... العراق ** في نهار ما , من ...
-
( إمارة لصوصستان الإسلامية ) يحي السماوي العراق ________ بعد أن أكمل الخليفة توقيع البريد اليومي المتعلق بأحوال رعيته في...
-
الشاعرة والقاصة العراقية وفاء عبد الرزاق تفوز بجائزة ( أكيودي ) رواية ( حاموت) للش...
الثلاثاء، 13 مايو 2014
قراءة نقدية في النصوص الفائزة في مسابقة غاليري الأدب للقصة القصيرة جدا. مصطفى لغتيري ... المغرب .......
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق