المشاركات الشائعة

الجمعة، 16 مايو 2014

أثر الليالي العربية على رواية ( أرض الزعفران ) للقاص العراقي حميد الحريزي أحمد فاضل ..... العراق ........













أثر الليالي العربية على رواية ( أرض الزعفران ) للقاص العراقي حميد الحريزي
أحمد فاضل ..... العراق


تأخذنا الرواية القصيرة " أرض الزعفران " للقاص العراقي حميد الحريزي إلى أجواء الليالي العربية وهو المصطلح الأكثر حضورا من ألف ليلة وليلة بعد ان تجاوزت الليالي تلك حدودها المعروفة فلم تعد شهرزاد الراوية الوحيدة لها بعد أن غادرتنا هي وشهريار منذ قرون طويلة ليجلس لها الحكائون في مناطق واسعة من هذا الكون ينسجون على منوالها ما جادت بها القرائح حتى تكدست أمامنا مئات القصص والروايات بعضها ذهب إلى المسرح والكثير منها إلى السينما بينما تحول القسم الآخر من نصوصها ليكون أدبا للأطفال ، جميعها سحرته تلك الليالي بما إمتلكته من حضور قوي على النفوس بأبعادها الدرامية وأجوائها السحرية وسردياتها المتداخلة حيث تأخذنا القصة الواحدة إلى عشرات الأحداث ما يعطيها انبهارا ودهشة حيث تسحبنا من حياتنا الدنيوية إلى عوالم أخرى لايمكن لنا أن نتصورها ، ومنذ اكتشافها ووصولها أوربا في القرن الثامن عشر أصبحت أجيال من القراء الغربيين تتناولها بسبب حكاياتها الغريبة وأحداثها الرومانسية حيث تأثر بها الكثير من كتابها كالسير والتر سكوت ويوهان فون غوته ووليام وردزورث وراينر ريلكه وتاليسمان وروبرت لويس ستيفنسون وصامويل تايلور كولريدج وتشارلز ديكنز ، فلا غرو أن نجد كتابنا العرب يركبون موجتها ليأسروا مخيلة العديد من قرائهم بحكاوى جديدة تقترب من ضفافها القديمة بروح العصر أحيانا أو تلبس برقعها لتخترق تلك الأجواء السحرية هذا ماوجدنا عليه رواية " أرض الزعفران " للقاص حميد الحريزي الذي حاول أن يختار مدينة عتيقة من مدنها وأشخاص لاينتمون لعصرنا بالقدر الذي تحوم أرواحهم حولنا .
يقول الأستاذ الدكتور علي حداد متحدثا عن ذات الموضوع بشيئ من التفصيل :
- يضع دارسو الفلكلور الشفاهي للشعوب الحكاية الشعبية في ثلاثة أنواع : فهناك الحكاية الأسطورية ، والحكاية الخرافية ، والحكاية الشعبية المحض ، ومع حصول شيء من التداخل بين المفاهيم وأنساق التشكيل التي تنهض عليها تلك الأنواع السردية الشعبية فإن تلمس حدود من التقنين هي التي تفصح عن مساحة التخصيص التي تتمثلها في سماتها والمقومات التي تتأسس عليها ، فحين تكون الحكاية ذات تشكيل متعلق بتفسير الظواهر وموجودات الطبيعة ، أو تلك القوى الغيبية ذات القدرات الخارقة التي تتحكم من خلالها بكل ما حولها ، فتفرض سطوتها على الإنسان ومحيطه الطبيعي والإجتماعي فإن الحكاية تكون ذات طبيعة أسطورية ، أما حين تكون الحكاية منتمية إلى عالم بشري واضح الملامح وواقعي في سلوكه وشخصياته وما يقع له فإن تلك هي الحكاية الشعبية المحض ، وبين هذين النوعين تقع الحكاية الخرافية التي تختط لها تمايزا واضحا لها .
حميد الحريزي في روايته هذه ذهب بخياله لينهل من جميع الأجناس المكونة للحكاية الشعبية بما فيها الأسطورية والخرافية والشعبية فأحداث الرواية تغطي فترة زمنية مطولة في الخيال وتشتمل على شخصيات عديدة ، لكن السارد يكتفي بوضع عدد محدود من الشخصيات في الصدارة على أساس دورها الأساسي والمفصلي في مجريات الرواية مثل ( ضوية ) ، ( فرحان ) ، الشيخ ( إدريس ) الذين سنجد آثارهم قد غطت على مساحة واسعة من ( أرض الزعفران ) ، تلك المدينة الوادعة التي يتقلبون فوقها ليصنعوا لنا أحداث الرواية التي تألفت من خمسة فصول كان أولها ( الولادة ) أو التعريف بالحدث المهم الذي ستعيشه هذه الأرض ففي :
- " أرض الرز والتين والرمان , أرض الإنس والجان , ولدت ضوية في أرض الزعفران ، الطفلة الوحيدة لأبيها فرحان وأمها نورهان كانت في غاية الحسن والجمال ، أطلت على الحياة فجر يوم ممطر غائم إنقشعت غيومه وأشرقت شمسه وغردت أطياره حالما لامست قدميها أرضية بيت فرحان حيث تنبه العديد من النساء والرجال والأطفال إلى غرابة ما حصل وفرادته وتزامنه مع انطلاق الصرخة الأولى لها ، المولودة التي لم تخرج إلى النور إلاّ بعد أن إنصرمت عشرة أيام من الشهر العاشر ، لا حظ أهل الدار أن العتمة والظلمة كانتا تنحسران ليحل محلهما النور والضوء في البيت بقدر ما يظهر من جسمها خارج رحم أمها حتى بدا البيت مضاءًا كشمس الصيف في رابعة النهار مع صرختها الأولى ، مما أدهش الجدة وبقية النساء في الدار لذلك سميت بضوية من قبل قابلتها ووالديها :
- ألا تلاحظ يا فرحان أن إبنتنا أخذت تفهم معنى الكلام وهي لم تبلغ يومها السابع بعد ؟؟!!
- والله يا نورهان إن أمر هذه الطفلة لعجيب ، يبدو أنها مبروكة ومباركة .
أخذ عود الطفلة يشتد وتشتد معه غرابة سلوكها وتصرفاتها حتى إنها أخذت تمشي وهي في الشهر الخامس من عمرها دون أن تمر بمرحلة ألحبو .
نلاحظ في بداية حوار الرواية أن جرعة اللغة فيها مخففة قليلا ، لكنها تبدأ بالتصاعد في مقاطعها اللاحقة مع وتيرة الفعل ورده في أن هذه البنت ليست كسواها من البنات ، هذا ما نقرأه عندما يجلب والدها صندوقا صغيرا جميلا من الخشب المنقوش عند عودته من سوق المدينة ليكون حافظة لملابسها وبقية أشياءها بمناسبة عام ولادتها السابع وهو اليوم والشهر والعام الذي أصبح يؤرخ لما بعده وما قبله من أحداث وولادات ووفيات في أرض الزعفران فيقال كذا يوم أو شهر أو سنة قبل أو بعد ولادة ضويه ؟؟!!
استقبلت والدها مطوقة رقبته بذراعيها الناعمتين زارعة قبلاتها على وجنتيه وصدره وكفيه ممتنة فرحة بما جلب لها من هدايا حيث احتوى الصندوق على (خزامه) و (وورده) و (خلخال) فضي جميل ، ولكنها نحت كل ذلك جانبا جاذبة والدها من يده وقد تبعته أمها وبعضا ممن كان موجودا من أهل الزعفران في ديوانية أبيها طالبة منهم مرافقتها لجلب هدية مخبأة لها بالقرب من القرية ، سارت أمامهم حتى بلغت الايشان ألمطل على أرض الزعفران من جهة الشرق مسكون من الجان بعد أن كان مسكونا من قبل ملك ذلك ألزمان، قامت بتحديد منطقة صغيرة مشيرة عليهم حفرها ، وقف فرحان صامتا متأملا مستغربا مستفهما عن المكان والهدية المخبأة لها في الايشان ، وهل من خبأها من الإنس أم ألجان وكيف سلم الجميع قيادتهم لطفلة صغيرة لم تبلغ الحلم بعد التفت إليهم أبو ضويه وقد لحظ عليهم الفتور قائلا :
- لا اظن أن ابنتي تعبث بنا ، مشمرا عن ذراعيه مبتدئاً بنبش التراب في المكان الذي أشرته لهم مطالبا الحاضرين مشاركته فيما يفعل .
الروائي الحريزي ينهي الفصل الأول من الرواية لينتقل إلى فصل ثان أسماه " الصندوق " وهو ما سنشهد فيه ذلك الذي قصدناه من صعود لغوي ودرامي لأحداث الرواية ، فالصندوق الذي سيظهر من بين التراب سيكون لضوية وحدها فهي الوحيدة القادرة على رفعه من الأرض بعد أن عجزأقوى الرجال من سحبه أو من فتح غطاءه بسبب ما تتمتع به من قوى خارقة وهو الجزء الفانتازي الذي بنيت عليه الرواية كما في أغلب حكايات الليالي العربية أو ألف ليلة وليلة :
- اتركوا الصندوق فلو اجتمع كل رجال ونساء القرية سيعجزون عن فتح غطاءه او الاطلاع على مكنوناته فلا يمكن أن يفتح الغطاء إلا بأمري وأمر شخص آخر في علم الغيب حاليا إحملوه الآن ولنذهب للدار وكفوا عني أسئلتكم واستفساراتكم فما يضمه الصندوق لا يمكن فهمه ولا إدراكه من قبلكم ،عصي على الفهم على أمثالكم وقد يصاب البعض بمس من جنون لو أطلع على ما فيه فيغير ثوابته ، ويلعن ماضيه وحاضره .
- سارت أمامهم والصندوق محمولاً على رؤوس أربعة رجال فبدا وكأنه كوكبة من النجوم تسير صوب دار فرحان الكائنة في مقدمة أرض الزعفران على ضفة نهر الخيزران ، وضع الرجال الصندوق في غرفتها ، فقد اصبحت لها غرفة خاصة نظرا لكثرة زوارها ممن يطلبون منها قضاء حاجة او شفاء مريض او كشف طالع ،وعلى الرغم من كونها لم تبلغ الحلم بعد فقد أصبحت اليد التي لا تخيب في تسهيل وضع النساء معسرات الولادة في قريتهم وما حولها حتى ذاع صيتها شرقا وغربا وفي الشمال والجنوب ، ما من زواج يتم إلا بمباركتها فمن تقره يصبح نافذاً ومن لا تقره يصبح باطلا ، كانت موضع أسرار فتيات القرية ورغباتهن وأصبح نيشان العذرية للعرائس يودع عند ضويه التي كانت تغدق عليهن الهدايا والعطايا وأنواعا مبهرة من الملابس والعطور تقول انها من مقتنيات حور العين .
الصندوق هنا أصبح المستقبل الذي ستركن له ضوية حتى بعد أن تصبح بعد عدة سنوات في عمر الشباب ما سيجعل من شباب أرض الزعفران يتهيبونها ولا يفكرون حتى بطلب يدها بسبب شخصيتها القوية وغزارة علمها وأحوالها الغريبة كما يورده فصل الرواية الثاني الذي ينتهي بقدوم الرجل الغريب لينتقل بنا المؤلف إلى فصل ثالث تتصاعد فيه الأحداث حول هذا الرجل الغريب الذي نزل مدينتهم وأبهرهم بعلمه ورجاحة عقله وقوة شخصيته حتى ينتهي هذا الفصل بكلماته الأخيرة :
- يا عم لقد مرت أيام الضيافة وقد منحتموني محبتكم ورعايتكم وكرمكم وطيبتكم ، يا عم أتمنى عليك أن لا تسألني عن موطني فموطني أرض الله ألواسعة ولا تسألني عن حسبي ونسبي فأنا ابن آدم وحواء .
الفصل الرابع من الرواية جاء بعنوان الزفاف والإزدهار ليدخل بنا المؤلف مباشرة إلى أن يطلب هذا الرجل الغريب يد ضوية قائلا :
- يا عم لقد قادتني إلى دارك فرسي وكأنها مأموره أتيت لأطلب يد كريمتك التي عرفتها دون ان أراها وعرفتني دن أن تراني أو تعرف مكاني فإن وافقت أفطرت وإن رفضت قسأشد راحلتي وأرحل وأترك لك الأمر .
هذا الحدث يكاد يكون أمرا فرضته السماء لكي يلتقي إدريس بضوية لامحالة وهو من العقائد الراسخة لدينا وظفها الكاتب بإسلوب حواري جميل حتى ينتهي بطلب من والد ضوية أن يمتلك إدريس دارا له ولزوجه حتى تتم الموافقة على الزواج وهو ما حققه الأخير بما كان قد امتلكه هو الآخر من قدرات خارقة ليقوم على أرض الزعفران بين ليلة وضحاها بيتا جميلا ضم العروسان في ليلة لايجود الزمان بمثلها ، لتنتقل بنا الرواية إلى فصلها الخامس والأخير الذي أسماه الإندثار والذي سيشهد أفول تلك الأسطورة بما فيها ضوية وإدريس كما سنقرأ :
بمرور الأيام والأشهر أصبحت أرض الزعفران محط أنظار وأسفار القاصي والداني، إنها موطن الحكمة والحب والخير والسعد والعمل، وقد أصبح ديوان إدريس ملتقى للحكماء وأهل العلم والأدب ومكانا لحسم المشاكل والخلافات بين الناس من مختلف الأمكنة والأجناس، لم يقصد الديوان أحدا إلا عاد ظافرا و طلبه مجاب ومكتسبا قوة في البصر و البصيرة .
أخذت تقصد أرض الزعفران مجاميع الدراويش والمتسولين والمتسولات والفتيات الفاتنات وكاشفات الفال والساحرات من مشارق الأرض ومغاربها ، ظهرت البيوت والحوانيت والمقاهي ذات الأبواب المثقلة بالإقفال الذي لم يتعرف عليها سكان القرية من قبل فسميت هذه القرية ( بقرية الأقفال ( ،
وأخذت ترد الديوان أخبار عن سرقات وخيانة أمانات وقصص غدر وهجر و نكث عهود وغش في البيع والشراء فآخذو يحررون العهود على ورق يكتب من قبل أناس في حارة الأقفال ، أخذ التجهم وعلامات القلق تظهر على وجه إدريس وتزداد يوما بعد يوم وتمكن العث من نخر جسد الصندوق مع ملاحظة أهل الزعفران باستغراب تغير طباع إدريس غير مدركين السبب!!!
بعد مرور سنوات تفاجأ من استمر من أهل الزعفران بحضورديوان إدريس ممن لم تجتذبه مغريات قرية الأقفال ، خمود نيران موقد القهوة واختفاء رنين الفنجان الذي تشظى ذات يوم بيد الساقي سعدان دون سبب ظاهر ، رافق تشظيه صرخة مدوية من قبل إدريس وكأن الذي تشظى قلبه وليس الفنجان ، ذهب للدار لجلب بديلا عنه ولكنه ما ان يمسك بأحد الفناجين حتى يتحول في يده إلى هشيم حال إخراجه من الصندوق وملامسته الهواء ، أصيبت ضوية بالهلع مدركة أن هناك حدث خطير وشر مستطير قد حل بأرض الزعفران .
عاد إلى الديوان وهو في غاية الحزن والألم فوجد الحضور، قد أصابهم الخوف والفزع حينما شاهدوا إنطفاء نار الموقد وانقلاب دلال القهوة متقيأة ما فيها بحركة مفاجئة متدحرجة أغطيتها وكأنها رؤوس طيور ذبيحة ، أصاب المجلس الوجوم وظهرت على الوجوه غيوم الحيرة والخوف والترقب منتظرة من إدريس تفسير ما جرى وما سيحدث ، فقد كان إدريس مكشوف الرأس وقد بان رفيف شعيرات شواربه بشكل غريب مما يدل على حدث عظيم وخبر اليم ! ضوية أحست بقرب المصيبة من خلال مراقبتها لمجريات الإحداث ، اخذت الأنهار تجف والطيور تهاجر وزهور الزعفران تذبل والثمار تصاب بالعفن والحيوانات تموت بالعشرات مصابة بأمراض غير معروفه. هالها أخيرا مشاهدتها العث وقد أخذ ينخر الصندوق من كل الجهات و يتسع يوما بعد يوم بسرعة مذهلة ، ذات ليلة سمع السكان صوتا هائلا اهتزت له أركان ديار أرض الزعفران مبعثه دار إدريس فهرعوا مذعورين صوب الدار فلم يجدوا سوى كوم من نشارة خشب وعث ملأ الفضاء وهو يقطر دما في حين لم يعثروا على أثر لضويه أو إدريس ولا أثر لدارهما أو حديقتهم الغناء ، كأن بيتهم وحديقتهم قد ابتلعتها الأرض أو تلقفتها السماء؟؟!!!
وهكذا تنتهي الرواية القصيرة أرض الزعفران حاملة لنا حكما ومواعظ كثيرة حافظت على الكثير مما اشتهرت به حكايات الليالي العربية مع تشاكل التخييلي مع الواقعي بما يجعل كل منهما يحيل إلى الآخر ليحتل مكانه ويحوله من كينونة " وجود بالقوة " إلى فعل متحقق " وجود بالفعل " كما يقول الأستاذ الدكتور المصري محمود الضبع في بحثه القيم عن المتخيل السردي وأسئلة ما بعد الحداثة .
العودة إلى طرق أبواب هذه الليالي للنهل منها لم ينتهي بعد وقد نقرأ أشكالا جديدة منها بسبب أن هناك حنينا جارفا ينتاب الكاتب كلما تذكر كلمات شهرزاد وهي تقول لشهريار بعد أن أنهت حكايتها :
- مولاي هناك بقية لهذه الحكاية فلا ترفع سيفك لأن الكلام المباح لم ينتهي بعد .



أحمد فاضل ........... العراق



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق