المشاركات الشائعة

الخميس، 21 نوفمبر 2013

الاستعارة الرمزية / قمع الجسد / قراءة في معرض ( تأملات ) للفنان العراقي محمد القاسم / سمير هجول العراق ..........................






الاستعارة الرمزية
 قمع الجسد
 
قراءة في معرض ( تأملات ) للفنان
 العراقي محمد القاسم
 سمير هجول
العراق
...............................................
 اشتغل الفنان في معرضه على
 الجسد وتمثلانه والمحيط الاجتماعي
 والثقافي وكيف يتمظهر ذلك الفعل في
 الحقل البصري ليتم تمثيل الجسد
 بصورة ذهنية تصورية أي أنها لا تعني
 المطابقة الشكلية بل التشبيه, ففي
 لوحة/ احتفال جنائزي/
 والتي نفذت
 بقياس/ 120× 120 سم/
 
نشاهد
حشودا من الأجساد فقدت ميزاتها
 وصفاتها وملامحها، أجساد محترقة،
 مشوهة ، متفحمة تذوب مع بعضها
 بعضا في كرنفال جنائزي يجري في
 مكان وزمان افترضهما الفنان لينشئ
 علاقة تفاعلية بينه وبين المحيط من
 أجل توليد حالة فكرية تثير عند المتلقي
 أسئلة عن ماهية الوجود, الحدث يجري
ليلا في مدينة تتحول أجساد ساكنيها
 إلى نتف قماش وأشجاره تتحول إلى
 أسلاك شائكة في مشهد يقدم على
 مسرح كبير اسمه/ وطن/
 منطلقا بلغة
 بصرية تسرد قصصا لكائنات قاسمها
المشترك الوجع الإنساني بكل ثقله
 وأبعاده ونتائجه. فثيمة المشهد
 البصري الرئيسة لا تأخذ مكانها في
 المركز خلافا لما هو متعارف عليه بل
 تأخذ الجانب الأيسر من اللوحة بإشارة
 لها بعدها الاجتماعي والأيديولوجي،
 بحيث تصبح مركز الحدث الذي تتحرك
 باتجاهه جميع مفردات العمل، إنها
 شخصية السيد المسيح المصلوب
 والمكررة في العمل بجسدين
 متجاورين، فالأول مسيح الفنان
 المقطوع القدم والثاني جسد النبي
 المسيح المصلوب. هنا يقدم الفنان
على القيام بتداخل الجسدين بحيث
 يوشك أحدهما أن يحتضن الآخر. لقد
 تمت الاستعارة الرمزية لشخصية
 المسيح النبي المقموع جسديا وفكريا
 واجتماعيا ليقابلها ويذوب معها
وبإسقاط معاصر مسيح الفنان إنه الآخر
 المختلف المرفوض اجتماعيا وسياسيا
المقموع جسديا وفكريا الذي يشعر
 بالاغتراب وسط كيان وثقافة وتقاليد
 اجتماعية تجعل منه ذلك الجزء الذي
 يعيش على الهامش. إنها صرخة الألم
الإنساني التي يتردد صداها عبر
 الأزمنة والعصور، وما الوشاح الأبيض
 للجسدين وبرغم ما يمثله من رمز
 يحيل إلى دلالات/ إنجيلية/ فقد أصبح
 ممرا لتلك الصرخة التي اخترقت
 باندفاعتها الفضاء الزمني للوحة
 
المقدس/ المدنس : ***  
في اللوحة المسماة (ثياب) نشاهد
 مجموعة نساء واقفات جنبهن جنب
 بعض بوجوه تخترقها مجموعة خطوط
أتت على شكل غيمة بلون أسود
 ورمادي شبيه بما تخلفه الحرائق من
 دخان، وجوه مموهة بألوان الخراب
 ورؤوس حين ندقق بها نجدها قد ركبت
 على أجساد ترتدي ملابس مبهجة
 تلك الرؤوس التي فصلت من الأعناق
 بخطوط منحنية أتت على شكل خناجر
 من أسفل اللوحة إلى أعلاها لتشكل
 نصف دائرة في فضاء تخترقه تلك
 الخطوط وبألوان مغايرة يحاول الفنان
 بواسطتها أن يقول أن تلك الرؤوس لا
 تنتمي إلى تلك الأجساد المكسوة
 بثياب الفرح الملون منطلقا من مفهوم
 فلسفي مثالي يجعل من الرأس وهو
 القمة العليا للجسد (مقدس) وكل ما
 دونه (مدنس) هنا يستحضر الفنان
 (ميثولوجيا الوجود) عبر الأزمنة كنتاج
 فكر اجتماعي اعتقادي (جنوسي)
 جعل من الرجل هو المدبر والمتحكم
 بالمصائر وقمة الهرم (السلطوي)
 بإشارات مشفرة مفادها أن الأجساد
 بكل ما تحتويه من جمال تكويني تسقط
إلى الحضيض بانهيار مخيف حين يغيب
 العقل .
 
  قناع الفنان : ***
 حين يرسم الفنان فهو يعبر عن ما
 خلف القناع الاجتماعي الذي يرتديه
 في لوحة  (رؤوس مقطعة) يخلع الفنان
 قناعة لتصبح كل تلك الوجوه المشوهة
 والأجساد المعذبة والأطراف المقطعة
 عبارة عن تحولات الوجه الباطن للفنان
 فتارة يتخذ القناع شكل التعويذة وأخرى
 يمنح الإحساس بالسلطة الوهمية
 لمرتديه في محاولة للسيطرة على
 الواقع، إنه محارب الأدغال الذي ارتدى
 قناعه وخرج ليخيف به الكائنات للخلاص
 من هواجسه وانفعالاته وما تلك
 الكائنات سوى الغربان، التي امتلأ بها
 فضاء اللوحة وهي تحصد الرؤوس
 بأجنحتها الظلامية .
 
  ثيمات متعددة : ***
 حفلت أعمال الفنان بثيمات متعددة
 كما ضمنها ثنائيات مثل – الأبيض/
 الأسود/ الشروق/ الغروب/ كما اشتغل
 على موضوعات/ الهوية/ الضياع/
 الحرب/ وكلها سخرها لموضوعة
 الجسد .
  التأويل الوظائفي : ***
 نشاهد في لوحات الفنان بأن أغلب
 مشخصاته التكوينية كانت بعيون
مموهة بحيث نجد أن حاسة البصر
 حاضرة، لكن الفعل المادي الوظيفي
 للعين قد انتفى فهاهو يجردها من
 وظيفتها منطلقا من تأويل مفاده أن
 العين المشاهدة تصبح مشاركة في
 جرم حدث أمامها فالعين التي
 شاهدت السيد المسيح يصلب تعد
 مشاركة في صلبه والعين التي
 شاهدت ورأت بغداد تحترق شاركت
 في جرم وفعل الإحراق إنه يعطي لذلك
 الفعل مفهوما قد يبدو غريبا وبعيدا عن
 قناعتنا .
 
إشراقات الكوابيس : **
 حفلت معظم الموضوعات بعالم
 كابوسي جسده على سطحه الصوري
 باستخدامه المتعدد والمتنوع للوسائل
 الفنية إضافة لامتلاكه قدرة عالية في
 التكنيك والمعالجات والمتممات اللونية،
 كما أنه ركز على السمات الشكلية
 التي عبر عن طريق حركة مشخصاته
 عن العالم الكابوسي، الذي تعيش فيه
 فنحن نشاهد أيادي تختفي وتنصهر مع
أجسادها ومرة أخرى نشاهدها وقد
 أصبحت زهورا تطير باتجاهات مختلفة أو
 نراها وقد تحولت إلى( كراسي).. هنا
ينهض العالم الكابوسي بإشراقة
 مخيفة وبسلطة تكبل الجسد وتزجه
 بعالم قد يبدو (ميتافيزيقيا) لكنه أكثر
 واقعية من عالمنا .
 
خلاصة القول : ***
 إن الفنان في أغلب لوحاته كانت ألوانه
 مبهجة تتناقض مع ما يطرحه من
 موضوعات ولا يسعنا إلا القول إن
 استخدامه لتلك الألوان هو أولا للخلاص
 من سلطة المصطلحات والمدارس
 الفنية والقيد الأكاديمي وثانيا إن
 استخدام تلك الألوان هو تعبير عن
الأحلام المفقودة والمصادرة لشخوصه .
 الفنان (محمد القاسم)، ذاكرة تختزن
 ما خلفته الحروب من حرائق وخرائب
 إنه يرسم المدن والشوارع والأزقة
 ليروي لنا بفرشاته قصص أناس تم
 إقصاؤهم وتهميشهم من قبل الآخر،
 إنه المختلف الذي تم إقصاؤه خلف
 واجهات المدينة .
 
سمير الهجول ... شاعر وناقد عراقي
..........................................

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق