قصيدتان لمحمد أمارة
قراءة .. الدكتورة آمال
غزالي
يعد هذا النص من النصوص التي تنادي باللامعقول الذي يجمع المتضادات
حيث تعج مناهج ما بعد الحداثة بهذا الأسلوب فجمع الشاعر بين الأمطار وسخونتها حين
قال :
امطارك فيه لا تبرد
فيشير الى احتراق قطرات المطر
حين تنزلق على جسد حبيبته لشدة تلاصقها واشتياقها .. كما ان السماء بلا غيوم لا
تمطر كيف وهنا الشاعر وظف السماء الممطرة حمما وناقظها بعدم احتوائها على الغيوم
ليظهر الحرمان التي تعاني منه حبيبته .. فبذلك كان للتأويل النصيب الأكبر في هذه
القصيدة فلا مفردة نستطيع الإمساك بمعنى موحد لها وهنا تدخل البوطيقا للنص من أوسع
أبوابه وتعطي للقارىء حرية الخوض والتمتع بالفضاء الواسع للنص .
وملامح وجهك صامتة
كملامح صنع في معبد
ازداد أفق المعنى اتساعا حيث
قام الشاعر بتقويض الملامح الإنسانية لحبيبته والشروع نحو أفق الآلهة في المعابد
بخلوها من المشاعر والتعبير هي لا تنتظر احد ولا ينتظرها الآخرون يريدون منها
الصفح والتباريك فهي في معبد صنعت وهنا تبرز التداولية التي يمازجها الشاعر مع
التداولية ليظهر ما كان متداولا في عصر الجاهلية من عبادة للآلهة
وربيع شبابك لم يزهر
لم ينبت فيه سوى الأسود
يعود شاعرنا بالزمن الى
شبابها الذي قتلت أزهاره وهنا يتحول بنا الى التماهي حيث يماهي سنين العمر الغير
حية الى زهور حية تنمو وتكبر وهو ما لم يتفق مع شبابها فارتدى الأسود وما هو
متداول ان اللون الأسود للنحيب والحزن ..
هل حاول أحدهم قربك
هل زار يديك بلمسة يد
هل فك قميصك أحدهم
هل حاول كالطير المجهد
ان يدنو منك يقبلك
وانت على هذا المقعد
كلها تساؤلات أطلقها الشاعر
ليعبر عن ندمه وازدياد شوقه وشعوره بالمرارة والحرمان مما كان وتأرجح بين ماهو
موجود وما هو غير موجود اي بين الواقع والتماهي حتى أسترسل في تساؤلاته مذهولا
منتقلا من المتداول الى المتماهي بصورة راقية وجميلة
خذيني ...
لمدينة عشق لم تولد
فغرامك فصل مجهول
امطارك فية لا تبرد
وسماءك فيه بلاغيم
وملامح وجهك صامتة
كملامح صنم في معبد
وربيع شبابك لم يزهر
لم ينبت فيه سوى الاسود
هل حاول احدهم قربك
هل زار يديك بلمسة يد
هل فك قميصك احدهم
هل حاول كالطير المجهد
ان يدنو منك يقبلك
وانت على هذا المقعد
هل كتبوا عنك رسالة حب
هل قام باخذك هذا المد
وانت سفينة احلام
اغرقها الساحل والمرصد
قولي كي اعرف من انت
او ارجع للبيت الموصد
محمد أمارة ....
...............................
يتداخل الزمن في هذا النص ويتشابك يتقدم ويتراجع بصورة قلقة تشبه مهد
الطفل لتجعله زائرا لبيوتات النوم والغيبوبة عن عالمه المعاصر .. يدخل الشاعر في
الزمن الماضي من خلال باب العينين
انا في داخلي ثورة
وميلادي بعينيك
حيث يتقدم الزمن الماضيتين إثارة زوبعة داخل الشاعر وكلنا يعلم ان
الثورات عادلة تأتي من ضغط الألم والحرمان والظلم والشوق والشعور بالحزن الممزوج
بالفرح
وجمهور الحروف لك
وانت النخل والثمرة
فيتماهى الحرف الى جمهرة تستوعب
ما يعرض عليها وتقبل.به او ترفضه مع انها لا تفقه شيئا الا ان الشاعر وهبها الحياة
والفكر لتكون مساندة لحبيبته لتكون كما النخلة المعروفة بشموخها فهو بذلك يدلي الى
الحبيبة بما هو متداول في ان النخلة تدل على العرب والعراق بالذات لذلك نرى ان
الشاعر يقصد تداخل التوجهات النقدية من السيميائية فترمز الثورة الى فوران الشوق
داخل الحبيب والميلاد الى حياة جديدة ومختلفة عن حياته السابقة والجمهور يشير الى
كتاباته وأشعاره والنخل الى البلد الذي يقطنه والضباب يشير هنا الى عدم وضوح طريق
العشق
وانت في ضباب العشق
نجمة حبي الحرة
تضيء على كتاباتي
وتترك كحل أجنحة
هنا يشير الشاعر الى ضبابية
الإحساس لديه لانه لا يستطيع إدراك عشقها له بسبب عدم وضوح مشاعره اتجاهها وبعدها
وفقدانها فهي كالنجمة الحرة في الضباب ومن المعروف ان النجم الحر يغير مكانه دون
ان نستطيع الوصول الى مكان ثابت يسكنه والحركة هنا تكون فوضوية لا على التعيين
والذي يزيد الأمر تعقيد في عدم إدراكها هو عدم وضوح الرؤيا والطريق اليها وما
يناله الشاعر من حبيبته هو الضياء فهي تعكسه للحبيب من ما يحيطها والشاعر لم يختار
الشاعر مفردة تنور لتكون حبيبته مصدرا للضوء والنور لا ينضب لذلك نزل بها الى بني
البشر لان ضيائها سينضب حال ابتعاده عنها فهو بات مصدرا لضيائها فهي لم تخلد في
روحه ولا تترك الا الكحل وهي من العبارات المتداولة التي تشير الى الدمع في عيون
كحيلة حزينة رقيقة كما جنحي فراشة
مثل خدودك السمرة
ويشبه الشاعر خدود حبيبته
بتلك الجناحين الحزينين الباكيين الملطخين بسواد البعد
لأرفع رايات العشاق
وانت هناك منتظرة
ورغم الحزن يعلن الشاعر ثورته
على واقعه ويرفع أعلام المناداة بالحب والعشق المجنون وحبيبته غادرته منذ زمن لمدن
الانتظار
غدا يأتي لك حبي
غدا عصفورتي النضرة
هنا ينهي الشاعر معاناته بأمل اللقاء بالغد الآت بها اليه هي أمنية
ربما تتحقق ينتقل بها الشاعر الى زمان اخر لتتكامل أزمنته بين الماضي والحاضر
والمستقبل ويوصف حبيبته كأنها عصفورة جميلة نضرة وليست رمادية تميل الى الغرب من
الحياة .....
وبذلك الشاعر جمع بين
الأزمنة لكنه شابك بينها وشاكلها في زمن متخبط واحد في حرفة راقية .
انا في داخلي ثورة
وميلادي بعينيك
وجمهور الحروف لك
وانت النخل والثمرة
وانت في ضباب العشق
نجمة حبي الحرة
تضيء على كتاباتي
وتترك كحل أجنحة
مثل خدودك السمرة
لأرفع راية العشاق
وانت هناك منتظرة
غداً يأتي لك حبي
غداً عصفورتي النضرة .
محمد الأمارة ...
........................
د . آمال غزالي ... العراق
..............................................
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق