المشاركات الشائعة

الأحد، 12 يناير 2014

(ترنيمة ثغر مكحّل بالهمس) / عبد الكريم الساعدي ... العراق ............





(ترنيمة ثغر مكحّل بالهمس)
 ______________
عبد الكريم الساعدي ... العراق

 بينما كنت أعيش نشوة التأمل تحت ظلال مكان
 غمرني بفيض سكينته وخضرته -كعادتي- اعتقلتني عيناها بهمسة جذلى ،همسة سحر قابلة للتأويل، تلك الليلة رقدتْ عيناها بأحضان خيالي ، حالماً بغفوة الفجر،وثغر يُسكرُ مقلة الشوق بعذوبة صوته. مرّ يومان وأنا أرقب المكان لعلّي أراها ثانية فأحظى بقافية ذكرى أو نغم جميل يطرق صمت الدجى، ولكن دون جدوى . أوصدت باب سكون قلقي لأعود الى المكان كي أقطف بعض قصائدي المعلقة على كتف المدى. ذات يوم وأنا أشمّ عبير المكان وقبل الولوج فيه صدمتني بمقدمة صدرها ، ليجلجل إثارة في أعماقي ، ويسحق دهشتي برحيق ثغرها المتبسم بظل الود والمنى ، أهدتني بعدها لفتة عن بعد مرتعشة بصبوة الأحلام ، يتعالى منها نداء يحلق فوق شفتيها نشوة تنداح بين أضلعي لتؤجج الشوق في روحي.سرت لهفة في أوصالي لسماع ترنيمة صوتها، وبوح يمسح جدب غربتي. كل يوم كنت أراها في ذات المكان ، يعتريها شوق وحنين يرتجف ببوح محنّط بصمتٍ عجيب عند طرف شفتيها ، كم تمنيت أن أداعب صوتها! كانت آية من الحسن،وملاذاً أتغنى به، أقطف كل يوم من شجيرة حسنها ابتسامة عذبة مكحلة ببريق عينيها،تتوغل في أعمق شراييني كشهقة قصيدة حالمة بالوجود.كانت هاجسي ووحي قصائدي الموشاة بفتنتها وعطرها المشتعل بصبوتها العازفة أجمل نغم على وتر أيامي .هذا اللقاءاليومي يطلّ منه همس وايحاءات خصبة تحبو بخجل فوق مسافة قصيرة تتلاشى عند عطش الحديث. انقطع ديدن اللقاء يومين بعد أن غزت جسدي حمّى أغرقت جبهتي بعرق حار،وحاصرتني بأنفاس ملتهبة وإرتعاشات مجنونة أسقطتني متكوراً في إحدى زوايا اللوعة والحنين : - آه ...اللعنة على الحمّى ، من تكوني حتى تقطّعي أوصال أمانينا ؟ في الليلة السابقة كانت قربي ،ينبثق من عينيها بريق عتب يلهج بلهفة العناق بعد انتظارطويل ، وينطلق من بين شفتيها هتاف مختنق بلحن ساحر،رفرف شذاه بالشوق ، أسكر ليلي بتجليات اللقاء المنتظر. ذات اللقاء وقبيل أن أقطع آخر خطواتي حتى اختلطت مع رائحة المكان أنفاسها اللاهثة نحوي ، كانت تنتظرني كما توقعتها وهي قلقة لاتدري سرّ اختفاءي. امرأة متشحة بالجمال والبراءة، كان الترقب يلسع عينيها بالوحشة والقلق، واقفة بكل بهائها قرب المكان الذي اعتدت الجلوس فيه، تأملتها عن بعد وهي لم ترني بعد ، وربما لم تتوقع مجيئي مرة أخرى، لاأدري لماذا لم أحفظ توازني ؟. لم يتبق غير خطوات قليلة وأكسر صمتها وحيرتها، كان المكان يزخر بهدوء عميق ، يكاد فيه سمع أنفاسها ودقات قلبي المتسارعة، اجتاحتني هزّة لم أسيطر عليها، وقبل الخطوة الأخيرة صَمَتَ كلُّ شيء، فاجأتها بالسلام، التفتْ بكلّ لهفتها، اجهشتْ بالصمت والأستغراب ، وهي لاتصدق أنّي أقف بموازاة روحها ، ملتصقاً بأنفاسها لم يفصل بين جسدينا سوى مسافة ربما لاتسمح بمرورحتى الهواءالذي بدأ يهب من طرف المكان،وقبل أن تولّي وجهها صوب الأرض ، تأوهتْ بعبراتٍ متبعثرة في أعماقها، وسكتتْ كأنّها تنتظر تفسيراً لغيابي: - لم يمنعني من رؤيتك سوى المرض.وعلى حين غفلة رحت أخوض في بحر من العواطف، جرفني الشغف بها الى مرافيءمورقة بإبتهالات الهوى،و نبض الوجدان. وحين حلّقتِ العيون في فضاءات الصمت، هاجسة بالحيرة والآضطراب، مشحونة بوهج الشفاه المرتعشة بأطيافها،لمحتُ شبح دموع تطلّ من جفنيها : - لِمَ البكاء؟تكلمي ، أحبُّ أن أسمعَ صوتك .ولمّا حاصرتها بالسؤال،سكتتْ برهة،همّتْ بمغادرة المكان، إلاّ أني وبلا شعور أمسكتُ طرفَ كتفها ، استوقفتها : - ما الذي يمنعك من البوح؟ ومم أنت خائفة؟. فانفجرتْ بالبكاء ينثال من بين ثغرها صوت مضطرب لاأكاد أن أسمعه : - أ..أأ..ه.....حدّقتْ بعينين مليئتين بالغسق والوجل ،شفتاها ترتجفان بشيء ما لاأفهم سره ،يداها الجميلتان توشك أن تقترب من وجهي ، بينما يخيّم علينا الصمت ، وقلوبنا ترتجف تحت بركان الحيرة ، غادرتني تحث الخطى دون أن تلتفت ،تاركة خلفها تساؤلات مبهمة وحسرات مخنوقة. كنت أشعر بذهول وانهيار وأنا لم أصدق إنها مازلتْ في داخلي... انطلقتُ أعدو خلفها ،رأيتها تقطع الطريق بخطوات سريعة ، تنتظرها حافلة في الجانب الآخر، وقفتُ أتأمل مايحدث لي ولها ، اسقبلتها مجموعة من الأطفال وهم فرحين بها ، احتضنتهم بذراعي أمّ حنونة ، وبدأت تقبلهم وتمسح على رؤوسهم بيد حانية، وقبل أن تنطلق الحافلة بانت لافتة على جانبها موشحة بعنوان : ( جمعية الصمّ والبكم ). ولما رأتني واقفاً أتأملها عن بُعد أخفت وجهها بين كفيها ،ليبتلع المدى آخر النظرات، ويخرس تراتيل أجمل اللفتات عند حدود الضوء. كانت تبدو أجمل من قبل ....



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق