قصة قصيرة
ضوء ضحى فاتر ..... سعدي عباس العبد
العراق
*_____________________________ ___________
* قادني شارع عريض , يندفع في
امتداده _ كخط مستقيم _ للأمام لمساحة يخترق فراغها سكون متوتر , مساحة تؤطر محيطها
بيوتات محاطة بحدائق رثة ! مسيّجة بجدران خفيضة متشكّلة من علب صفيح تالفة , تمسك بمعدنها
الصدىء بقع ضؤية فاترة يخلّفها شعاع الضحى , تتوهج حتى حلول الظلال . فيخمد
لمعانها تحت انسفاح مظلّات هائلة من الفيء المحتشد اسفل نوافذ مشرعة , نوافذ
بحافات متصدعة , فتتبدى كما لو إنّها جزء حميم من الجدران المتصلة بها .... استمرت خطوات
الجندي المجاز , تطوي المسافة المغبرة ... [ حالما يتخلّف الشارع عن اللحاق بك ,
وتطالعك ساحة , تطل من طرفها البعيد , منارة عتيقة مائلة .. سوف ترى خزان حديد
عملاق , .. أ تركه خلف ظهرك , ثم اترك الزقاق الأوّل والثاني , ستلوح لعيّنيك شجرة
صفصاف شاخصة محاذاة حائط بلون التراب
, حائط بنافذة مغلقة على الدوام ! , مغطاةبظلال اغصان
مدلاة فوق رأس إمرأة عجوز تقتعد باستمرار بساطا رثا ! , اسفل النافذة . كما سترى
كلبا اسود بغرة بيضاء باسطا قائمتية الاماميتين دائما نحو المرأة العجوز !! كما
سترى اعلى الباب , باب الحوش . قرون غزلان مثلومة مطبوعة او مغروزة في الحائط .. ] . اخترقت اسماع
الجندي المجاز وهو يخطو اصوات فاترة تسيل في الهواء , فاستدار برأسه للوراء فطالعته ثلة من
نساء , يرفلنَ بعباءات سود , يدرجنَ وسط الساحة كبطّات سمان مترهلات , لمح احداهن
تتطلع ناحيته بعيون متسائلة , كما لو تكهنت بما يجول بخلده . فقد رأته يتلفت حائرا , وهو
يطالع العنوان المطبوع في ظهر الرسالة , انبرت المرأة قائلة _: أتبحث عن أحد ..
اجاب _ : نعم .. أبحث عن بيت [ ن , ن ] . قالت المرأة _ : هذا هو , واشارت ناحية الكلب
! . دنا الجندي المجاز بخطوات متماسكة من سياج خفيض تتخلّل امتداده المشوّه شروخ
وتصدّعات وشقوق تخترق سمكه المشيّد بعلب صفيح صدئة كوات بحجوم متباينة .. لما اضحى
الجندي على مقربة من باب الحوش , فطن الكلب او تنبّه للجندي وهو يطل من وراء
السياج , فتأهب للأنقضاض وهو يطلق نباحا متقطعا , فتراجع الجندي مضطربا .. تنبّهت إمرأة
حبلى كانت في طريقها للسوق إلى النباح الذي شاع الذعر في قلب الجندي الخافق في
رياح من الشقاء , وسط اهوال من ذكريات بريّة ... فسارعت الحبلى إلى نجدته وهي
تومىء خلال يدها ناحية الكلب , فهتفت بصوت عال تنادي من في المنزل , واضافت تخاطب
الجندي _: لا ادري اين اختفت العجوز ؟ كانت تقتعد الارض هناك , على الدوام .اسفل
الشجرة , تنتظر ولدها البكر الذي اختفى منذ سنين عصيبة , في براري مقفرة او سجون او
قرى نائية , او في اعماق مياه مظلمة , او في بطون كلاب , لا احد يدري , لعلها ذهبت
لزيارة احد المراقد . قبل انّ يلتفت للمرأة الحبلى , برز وجه إمرأة تتطلع ناحية
الحبلى .. قالت الحبلى تخاطب المرأة المتطلّعة عبر المدخل المضاء بنور الشمس _:
أأنتم نيام ام طرشان . جاء صوت المرأة عبر مدخل الباب المشرع _: مَن هناك ..قالت
الحبلى _: الا يوجد احد يدعو الرجل للدخول , مرّ وقت طويل على انتظاره ,ثم استدارت
تقودها قدماها المتأرجحتان تحت ثقل بطنها , نحو الجادة المفضي طرفها البعيد للسوق
الخضار , .. برز فتى حليق الرأس , من وراء السياج ودعا الجندي للدخول .. قال
الجندي _: انا قادم من هناك , من الجبهة , احمل معي رسالة من [ ن ن ] , قالت إمرأة
كهلة طاعنة بالحزن والوجع كانت مركونة في احدى زوايا الحجرة _: اقرأ لي يا ولدي ما
مكتوب في الرسالة , قال الجندي _ : ساشرح لك يا امّي مضمونها , قالت _ : اين الرسالة ,
ارنيها اريد انّ اتشمّمها .. اتشمّم رائحته , لا اريد ان اموت قبل ان اراه ..كيف
هو ؟ صدّقني يا ابني منذ غادر اخوه البكر , منذ غاب , لم انم مثل الخلق , انهكني الخوف
والحنين , لا احد يشعر بما يحدث لقلبي الرهيف , قالت فتاة حسناء كانت واقفة فوق
رأس المرأة الكهلة . قالت عبر بكاء فاتر _: أهو في عافية ,قال الجندي _: لا تقلقي
هو بخير . قالت _: ومتى يجيء في إجازة , [ لن يأتي .. أخبرهم بإنّي سوف اعبر
الحدود , ولن اعود قبل انّ تخمد جذوة الحرب او يحدث شيئا ما , يبدّد سحابة الظلام
, ] خفق قلب الجندي بشدة لما رأى يد الفتاة الحسناء تمتد عبر المسافة الفاصلة
بينهما لتتناول الرسالة , [ اياك انّ تعرف امّي .. قل لها .. سوف يأتي في إجازة . في وقت ما , ولا
تنس ان تكرّر زيارتك اليها في اوقات متباعدة هي اوقات إجازاتي الدورية المفترضة .
إنها تعرف المواعيد التي سيصادف فيها حلول إجازتي . سيعرف اخي الفتى الصغير ,كلّ
شيء من خلال الرسالة . حاذر ان تقع الرسالة في يد احد سواه , لاسيما امّي التي
ستعرف حتما تخلفي عن المجيء في موعد الإجازة .. ستصدع رأسك باسئلتها عني ,قول اي
شيء .. اي شيء . اكذب عليها ..]
.قالت الكهلة تخاطب الجندي بنبرة منكسرة _: .. لقد مرّ
موعد إجازته دون ان يلوح له اي أثر , . أحدث شيئا ما . دس الجندي الرسالة في يد الفتى
. وطلب اليه بصوت خفيض انّ يقرؤها بمفرده , لم يسمع احد صوت الجندي الهامس في
اسماع الفتى .. بيد انّ غبار من الشك هب على غير توقع , فعلقت ذراته في ملامح وجه
الفتاة . فصار شاحبا معتما عكرا ..لكن الجندي المجاز لم يفطن لذلك , كان قد اضحى
خارج الدار , يغمره ضوء ضحى فاتر . يندلق من سماء بعيدة محايدة , ويسيل وسط اسيجة
معدنية , متسلق ظهر الكلب وعابراالجادة ورأس الجندي والسوق والمنارة . كان ضوء ضحى
لن يتكرّر / انتهت
سعدي عباس العبد ... قاص من العراق
................................
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق