المشاركات الشائعة

الجمعة، 6 يونيو 2014

حرب ! هل هي الحرب ؟ / حنان علي ... سوريا ..........












حرب !
هل هي الحرب ؟
حنان علي ... سوريا



لم أرث من جدتي إتقان تحضير الزبدة ، في جعبة كفي ألقي أفكاري ، أخضها أخضها و أنثرها أمامي ، مثلما فعل بنّاؤوا الحرب بالبيوت لما بعثروها في وجه المدينة ، غرفاً مائلة بأسرّة باردة .  " نعمر لذوي الدخل المحدود " آه ، محدودٌ من يملكُ السكنى هناك !
في يوم سلف ، أمسكتْ يدي طفلةً ،و تاهت بي عن درب العودة ، لمَ تكن الغوطة سئمت جوارنا بعد و انسحبت نحو المشرق. حَورٌ و صفصاف ، زيتون و مشمش و نهر ، أخبرتني أنه فرع بردى " ابنه الصغير مثلك " ، ليتهم لا يجدوننا جدتي ، نعيش هنا " دائماً " لكنهم يعثرون علينا كل مرة  ، لمَ يكثر الآباء من التعنيف ! يخشون أن نضيع منهم ؟
- إن  فقدَ الأب ابنه لا يجعله يتيماً أبي  . لم أكن أعرف أن الآباء هم الذين يخذلون وعودهم ، يغادروننا حاملينَ أسماءنا ، و نمسي بمنادى:   " يتامى ".
الأخبار تحكي عن الحرب : تهجير ، قتل ، خطف ، أجانب في البلاد . دمار و طرقات مغلقة.
– " شو يعني حرب ؟"  أتذكر حرب الثمانينات ! ليس تماماً ، ربما صرخات الأولاد خارجاً ، ركضهم المذعور ، دمعة أمي ، اغتالوه ابن عمها " علي " الشاب الوسيم ، لا أعرفه ، لكن صورته المعلقة في الصالة تبتسم لكل من زارنا . لونين فيها ، ربما الزمن خطف بقية الألوان مثلما خطف أمه ، وجدوها معلقة على شجرة التوت الكبيرة في الضيعة . آه ، تلك الشجرة ، كانت توزع التوت على البلاد كلها، قطعوها مع شالِ أم علي .
كبر الأولاد و ابتلعت صرخاتهم الحارة ، علي و صورته و الجدار ذهبوا في " هاون " العام الفائت . جفون أمي تجعدت ، بيضاء هي ، كبحرٍ، خان ماؤُه ملحَه و مضى. هل ما يحدث اليوم حرب ؟
رفعوا رايات الجهاد قرب نافذتها  ، " أية جرأة تحمل جارتنا الفتية ؟ هاجرنا كلنا سواها  ؟ خطفوه زوجها قبلاً و عذبوه .
- " أطلقوه ، يعرف كيف يصلي الصبح ، هي ركعتان !" . من يؤثر مواجهة الموت ، يُغلب ؟ هل يحيا من يهرب منه ؟ الحياة ليست لطيفة كما أشبعونا، و مفاتيح العودة التي نحمل صدأت ، هُدمت أبوابها و الأقفال، و الصور المعلقة ، ها هو علي و أمه ، و أبي اُختطفوا أبداً من الديار .
أعيدُ خضّ أفكاري ، جافة هي ، مثل أصابع جدتي ، و حقل ليموننا المنفي . جافة كأحلام عابرين تحت الشرفات، الشاحبة على الرصيف ، الصفراء على الورق ، الورق ..! منه تتساقط الأسماء مع أحداثها. هكذا يفعلُ اسمي و لقبهُ المقيت ، لليُتم سنُّ رشدٍ يغادر فيه هويتنا ناسياً عباءته ، في غرفنا المائلة ذات الأسرّة الباردة  .



حنان يوسف علي .... شاعرة من سوريا








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق