عندما كنت هناك
عبد الكريم الساعدي .... العراق
بين غفوة مساء وغفلة خداع تثائب الوجع حلماً
مغلولاً بالصمت ، كانت هناك قبل اللاشيء بخطوتين، الهناك متّشح بزمن شاحب بالوهم
ينذر بالتيه والخذلان ، يتلو عليها سيرة الرحيل حين أعلن النهر إنتحاره عند طرف
جدائلها ، فانسلّت من غلالة حرائق الجفاف تبحث عن موطِىء حلم ، كانت الخطوات
مهداً من دمع وكنت أنسج لهاثي تحت دفء مئزرها ، أسمع أنين صمتها وأشم إحتراق أحلامها
النافرة . لم تكن أمي كباقي النسوة تقنع بالهزيمة حين كانت الشواطىء تنذر بموت
العشب وكان وجه الأرض يعوي من قلب بستانها أغنيات حزينة ترفع شراع الخوف والألم
والعجز، حين كان الجميع هائماً بالأحتمالات يبحث في الأنقاض عن دليل أوشفة رصيف
أو ضفة نهر ،كانت تتوثب الى ظلّ جذع نخلة رغبة لأمل يطلّ من نافذة صبرها، يتوق
الى نبع عينيها الصافيتين .تحدّثت الى النهر
بعتب شديد ،عتب مشدود بالدمع والآه، رمقت بطرف عينيها صمت الأرض وحزن العشب
الحالم بالضوء ، بكت بلوعة لمشهد أشجارها اليابسة وغياب ظلّ الظهيرة . ولمّا أزف
الرحيل لملمتْ أسمال وحدتها بعدما تكحّلت بالصبر، وتعطرت برائحة الطين، شدّت على
خصرها حبل العزيمة،لم أنس تلك الإبتسامة وقبلتها التي طبعتها على طرف خدي الأيمن
بعدما دثّرتني بتميمة جنوبها ، وكأنّها توحي إليّ بمشقات القادم من المجهول
،وترسم طريقاً معطّراً بالأحجيات ،أطلقت في كوخٍ يتدثر برعشة القصب والبردي
بخورها تحت ظلال سكينة ستصبح ذكرى بعد حين من الزمان ،وقبل الرحيل بخطوة التهم
الوهم ماتبقى من طفولتي . كانت النهارات فتنة ممتلئة بالأسى والغواية والليل
ينذر بيأس أعمى ،وأنا مازلت ألهث خوفاً خلف أمي متشبثاً بطرف عبائتها ،كانت تطفىء
يأسي وخوفي بإبتسامة شفيفه تأسر بها ضوءاً أعزل تحوكه بصلاتها شراع حلم يهفو
لسفن النجاة وهي تتوسد أنفاسها بين الحركة والسكون، مسندة رأسها لقنديل أبي
المتوهج بالغياب .كانت الخطوات القادمة حاجزاً يرتبك بالضباب ويضيق به المدى
،وأنا تحتلّني الوساوس ويدركني ظلّ من حسرات ، فكم من لعب الطفولة غابت فوق أرض
مفجوعة بالوحشة وتحت سماء غاب عنّها السحاب ، وكم من أحلامٍ ذوتْ في أفق الخيال
، ولمّا لفظت السواقي آخر أنفاسها طلّت الغربة بوجهٍ من رخام فلم يبقى غير مرايا
خلعت براقعها لتكشف عن ساقي فتنة مزيّنة بالقهر والعوز والحرمان ، مرايا خلعت
خلخال عشق الأرض لندى الفجر وأطفأت أوكار الدفء لتصافح ألم القادمين، كنّا مثل
طيور مهاجرة غاب عن أفقها رائحة القصب والبردي، رائحة الأهوارالمدافة بالعشق
والسكينة، كنا مثل ذكرى مهدّدة بالنسيان ، نبحر نحو المجهول دون معرفة وبلا شراع
، نحو خرائب غاصة بالعتمة ، يجثو فوق جثتها ضجيج المدن وصراخ عالم يكتنز بين
محجريه نصف عين تعصف برغبات مجنونة . وحين رصدت مرايا الغربة آخرخطواتنا ،لملم
الجميع أحزانهم وهم يطوفون غرقى حول بحرٍ يعجّ بالموت والحياة ، يتمرغ على أهداب
حيرتهم تراب قرى ستغيب الى الأبد ،غفت العيون على بحر من الظنون ، ظنون تبرق
بالدمع والخوف من غياهب الغربة وطقوس شتى لم يألفها الجميع أعدها القدر لهم
سلفاً . كنا خطيئة الطغيان حاك خيوطها الزمن على حافة ربيع موهوم ، نراقص أوهام
الغد ، ونضحك من عذاباتنا ، عذابات لن تفارق أرواحنا وكأنّها علامات فارقة ،
نحمل رؤوسنا فوق الكفوف ، متأهبين للموت كلّ حين ، أقدامنا ضائعة بين هجير الأثم
وفطرة قُرآنا المنسيّة ، أدمنّا الذكرى وقبور الموتى ، نغفو في جفون الردى أغنية
تحكي نبوءة الخراب الممتدة بين سحر الخطيئة وبين مآتم لانعرف كيف تلاشت . - آه لو أسمع خطاكِ ، فأنا أتجاهل سكون الليل
وأوجاعي، لوكنتِ هنا لأشرق همي من خطى أنفاسكِ وانزوتْ خطيئة الأزل، لوكنتِ
تمرينَ هنا لطلبتُ منكِ الحلوى وسألتك مرّة أخرى ،متى نعود لطيبة قرآنا الجميلة
-يأمي-؟ لرأيتكِ تقولينَ كما قلتِ بالأمس : (( سيأتي يوم ، يصبح فيه لنا أن نركض
أو نصرخ حيث نشاء، ونلعب حيث نشاء، وقد نترك للبحر بأن يتلألأ بين أصابعنا )) وها أنا وبعد خمسين
طقساً من الفصول أنتظر ذلك اليوم فهل يأتي ياترى؟....
عبد الكريم الساعدي .... شاعر وقاص من العراق
___________________________________________
|
الثقافي ثقافي : صحيفة اسبوعية تعني بالشؤون الثقافية .. تصدر من على صفحات المنتدى الثقافي ثقافي . تصدر اسبوعيا صباح كل يوم سبت _ صحيفة الثقافي ثقافي لاتتحمل أية مسؤولية عن المواد المنشورة , ويتحمل الكتاب كامل المسؤولية عن كتاباتهم التي تخالف القوانين أو تنتهك حقوق الملكية أو حقوق الآخرين أو أي طرف آخر . .راسلونا :alaahamied1@hotmail.com __ اتصلوا بنا :0045.91454973 الجمعة والأحد... عطلتنا ..______ كوبناهاكن العدد ( 24 )السنة الأولى / السبت 7 / 6 / 2014
المشاركات الشائعة
-
قصتان قصيرتان جدا ابراهيم كمين الخفاجي .... العراق نكاح .. ق ق ج ضمخ الخطيبان هدمهما بالمسك والعود استعدادا للمثول أما...
-
"تعبتُ مِنَ الموتِ يا جُثَّتِي" - شعـر: محمد علي الهاني الفوَانِيسُ تَلْهَثُ في أَوَّلِ السَّطْرِ آهٍ... تعب...
-
كحلها الداكن فخري السلفاني العراق أيقظت وحي الشعر من سباته واجتثت من جوفي الكلمات جعلتها ترقص على صهوة ل...
-
الشيء الجميل وضاح صبوح سوريا هو الشيء الذي لم يسقط بعد من فضاء المخيلة -1- تخيل أن تمتطي حصانا .....
-
أراجع حساباتي عود الارائك ... العراق فترتجف ألكلمات . يسقط كوكبا كان بريا ...
-
كاملة سوالف عتيجة عادل وطن .. العراق صويحب چان رجال فقير من اهل الله ، وعنده مرة أس...
-
رَن قلبي منى البكر فلسطين ... هاتفي رنّ منذ ساعاتٍ أقصدُ منذ سنوات لم ينزعج منکْ ب همس .. سبحان من يُغير الاحوال مابين ...
-
قطاف القبل سنية السعدي تونس أسراب القطا تسامرني تفتح أزار القميص زرا زرا متأملة جراح صدري العاري تصطبغ أجن...
-
قدها سيف على أعمدة العهــــد ==================== شعـــر : محمد العصـــــــــــــامي ==================== استهلال كلما تهت ...
-
اخر الليل بهية مولاي سعيد مطر يخدش حياء النوافذ يبللها برضابه الشفاف حملته غيمة تائهة عن س...
الجمعة، 4 أبريل 2014
عندما كنت هناك عبد الكريم الساعدي .... العراق ...........
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق