المشاركات الشائعة

الخميس، 8 مايو 2014

الطابق الخامس .. رواية على شكل أجزاء للشاعر مظهر عاصف فلسطين / الأردن














 
الطابق الخامس ..
رواية على شكل أجزاء للشاعر مظهر عاصف
فلسطين / الأردن



( الطابق الخامس ) ج7


لكنه أسقط نظرية ( زكريا تامر ) في تروضيه ل (النمور في اليوم (العاشر). ودحضَها بنظرية: ترويض النمرات في الثواني العشر . ووحدي من كان يعلم أن محاولة تحجيم (متروك) أو التكلم معه بفوقية من قبلها, وتحذيراتها المتكررة بسجنه اثناء الجلسات لم تكن سوى مسرحية يضحكان عليها عندما يلتقيان على طاولة يجاورها سرير.
لكنها بدت جدية ومنفعلة في تحذيراتها له عندما اعتلى منصة الشهود (عفيف بيك )))
فهذا الرجل بدا دقيقا في انتقاء كلامه لدرجة تشعرك أن الكلمة تمر قبل فك أسرها بمراحلٍ شاقة ومضنيه ابتداء من خلقها نطفة فعلقة وتطورها لمضغة و من ثم كسوتها بالخبرة والصدق قبل ولادتها ولادة قيسرية, وعلى خلاف رجال الدولة_ الذين لا تشاهد عائلاتهم قطعا_ رافقته العائلة كنوعٍ من المؤازرة لشهادته,فقد كانت الإشاعات تتناول بحذر: أنه السبب الرئيسي في استفزاز (متروك) ودفعه لرفع قضيته . وبالتالي سيكون الكبش السمين لأضحية الحكومة إن خسرت القضية. فمن طبع الحكومات العربية أن تُحمِّل أخطاءها لشخص واحد , وتضعُ أوزراها على شخص واحد, وشخصيا أرى ذلك منطقيا ما دام يحكمنا شخصٌ واحد , يخلفه ابن واحد , فحفيد واحد.
لكنَّ (متروك) عندما أمالَّ رأسه نحوي هذه المرة موجهاً أحداقهُ نحو عائلة (عفيف بيك) هامساً بصوت تمتزج به الرغبة والطموح والتردد ويشوبه الخوف : هل تراهن؟
نظرتُ الى العائلة فقرع قلبي الطبول بدلَ أن يدقَّ, فتراجعت وجِلاً وقلت: إنها وحيدته.
ستذهب الى الجحيم.
همس ولكن بثقة هذه المرة: هل تراهن؟
_
إنها أسرةٌ محافظة, إتق الله.
_
هل تراهن بأنها ستصبحُ زوجي قريبا؟
هنا استدرت بطريقة لا ارادية وشَخصت عيوني دونما أمرٍ مني . وبعد أن جلست سلمت عليه وقبّلتهُ ثم همست : مبارك, مبارك صديقي , أنت تستحق فتاة بقيمتها.
حاول أن يتكلمَّ فحال دون ذلك مطرقة القاضية ثم سؤالها : هل يودّ ( الدفاع ) توجيه أسئلة للشاهد أم يكتفي بالحديث مع موكله وتبادل القبلات, وسريعاً ألقمَهما (متروك) جوابا شافياً : كلا حضرة القاضي , سنكتفي بتبادل القبلات.
حتى (عفيف بيك) لم يتمالك نفسه من الضحك, فما بالك بالحضور الذين لم تخرسهم المطرقة إلاّ بعد حين, وكعادتي اعتذرت من المحكمة عن نزقِ دم موكلي معللاً ذلك بالكبت والوحدة التي يعاني منهما بسبب أخطائهِ النحوية, وسرعان ما توجهتُ (لعفيف بيك) بالسؤال : قال موكلي أنك نبهتهُ ذات يوم لبعض الأخطاء التي كانت يرتكبها إن تحدث الفصحى, هل هذا صحيح؟
_
أنت تعلم أن وظيفتي كمحقق تقتضي أن أسلك جميع الطرق لأعرف الحقيقة من المتهم
خاصة أننا في دولة ( ديمقراطية) ولا نعذب السجناء لسحب اعترافهم.
_
اعذرني , هل حدث ذلك أم لا .
_
حدث من باب المداعبة واحترام المتهم, المتهم في النهاية إنسان يقتضى احترامه
حتى وإن كان مخطئاً.
ولست أدري لماذا تذكرت مباشرة ذلك الإنسان الذي يتحدث عنه!!. الإنسان الذي يقف على طوابير المعونة, والإنسان الذي يركض في دهاليز الدوائر الحكومية حاملا بيده معاملة , والإنسان الذي يتواجد في قاعات المستشفيات (المسردنة)بانتظار علاجه والإنسان الذي يركض فيهرب منه رغيف الخبز , الإنسان الذي يعرف ساستهُ أزقةَ أوروبا أكثر من معرفتهم بمحافظات وطنه.....الإنسان الذي لم يعد إنساناً.
وعندما خرجنا سألني (متروك) : هل تتذكر تلك الدعاية الجميلة ؟
(
لأن البقرة التي لا تغذى وتربى بشكل سليم لا تنتج حليباً جيداً , لورباك , زبدة الرفاهية لكل يوم) ......................


.يتبع ...





(الطابق الخامس) ج8



غالباً ما تفرض علينا نفسها هذه المقارنات, وغالباً ما تنعصر أفئدتنا ألماً حينما نشاهد_ عاجزين_ متشرداً يفترش الرصيف في القرِّ متدثراً بأكياس النفايات, متوسداً علب الصفيح, أو بيت أحدهم والذي يحمل صفات بيت العنكبوت بكينونته, بينما (عشائر الكاز) تشتري صقراً بكذا ألف, وتبيع ناقة بكذا مليون, وإن تحدثتَ بالأدب أو الفقه أو الشعر أو الاجتماع تحدثوا معك بلغة واحدة فقط هي :لغة القرش.
لعلَّ الفقر يقترب بفلسفته من الغنى الفاحش إن تعاملنا معهُ كخادم مطيع, فهناك ثريّ يصغر بالمال ويتطاول بالاحترام , هذا ما كنت ألمسه بشخص (متروك) فعلى الرغم من ثرائه فقد امتلك قلبا دافئاً, ويداً تمتدُّ لتساعد الجميع . لم ينكر يوما أن المحاكمة تعتبر السبب الرئيسي لشهرته وذياع صيته كطبيب بعد تجسيده شخصية البطل المقارع للحكومة, حاجتنا للرمز جعلت الناس تتهافت على عيادته, لكنه بالمقابل كان متسامحا مع الجميع ومخلصا وبارعا في مهنته , وعلى الرغم بأنه زير نساء فقد استطاع فصل شخصية الزير هذه عن شخصية الطبيب. ومضى يذبح راحته بسكين الواجب الإنساني في كثير من الأحيان لأجل حالة طارئة, وهذا ما حدث عندما دخل الطوارئ مسرعا جرّاء اتصال مفاده أن فتاة نجت من حريقٍ هائل بمعجزة , والمعجزة الأخرى إن طَلُع على أنفاسها النهار......

 يتبع ...


( الطابق الخامس)ج9


 ساعدَ عدة أطباء أثناء العملية التي استغرقت وقتاُ طويلا, لكنه الوحيد الذي تابع حالتها بعد أن تحققت المعجزة الثانية وكُتِبَ ما كتب لها من أنفاس على قيد هذه الحياة. وعندما سألته (سندس) عن سبب اهتمامه المبالغ به بهذه الحالة !, أجاب : لعلها أصعب حالة في مشواري الطبي حتى الآن. لم يتوقع حينها أن الغيرة تنهش خبايا (سندس) ,أو أنها تدعو متضرعة الله أن يقبض هذه المريضة له , فعدا كونها تحترف الغيرةُ صنعةً وهواية كمعظم بنات الأُسَر الثرية, واللائي يعتقدن أن المال هو من يقول للشيء: كن فيكون, وأن الحصول على الشيء معادلة لها قانون واحد وناتج واحد, وهو : كم ثمنه ؟ فقد وجدت من تلتهم ساعتين يوميا من وقت معشوقها , الوقت الذي يهربان خلاله من ضغط العمل وأعين المتربصين لأحد المكاتب أو الغرف التي لا تخضع لقوانين المراقبة. قالت وهي تحاول التخلص من ذراعيه وتدفعه عنها: اذهب لمريضتك. عاود جذبها هامسا: سأفعل بعد أن أعالج المريضة التي بين يديّ. _ لست مريضتك. _ إذن أنا المريض بك, أنت دائي ودوائي. _ ما دامَت مصابة بفشلٍ كلوي, لماذا تتعلق بالحياة وتحاول معالجة الحروق؟. قال وابتعد عنها : لقد أصبحَت شغلك الشاغل. لعله كان يقنعُ نفسه كثيرا أن (خولة) لم تكن سوى حالة مرضية ميئوس منها , لكنني عندما كنتُ أستمع لحديثه عنها كنت أدرك أن هناك ما هو أبعد ,خاصة عندما يبدأ بالغناء لها بصوته النشاز وتبدأ بدورها بالتمايل طربا لصوته .وعندما سألَتْه :هل تغني لزوجتك ؟ صُعٍقت بأنها لا تحب غناءه , قال لها مازحا: لا يوجد أحد يمتلك تلوثا سمعيا إلاّك ......

 يتبع .


( الطابق الخامس) ج10



ضحكا ثم قال مستدركا : كنتُ أود حقيقة لو كان باستطاعتي يوما أن أغني ( لعفيف بيك) : "وسترجع يوما يا ولدي مهزوما مكسور الوجدان" قبل أن أتزوج ابنته أثناء تحقيقه معي, أو حتى خلال جلسات المحاكمة.
قالت ضاحكة: كان باستطاعتك أن تطلب وقتا مستقطعا من القاضي آنذاك.
بعد أن تناول المعلومة من أرشيف الذاكرة قال : لقد فعلت ذلك, ولكنها حذرتني_ أي القاضية _ من الخروج عن النص.
وقتها تقدم متروك متظاهراُ بالحزن الشديد, ونظر إلى (الإدعاء) ومن ثم (لعفيف بيك ) وافتتح حديثه الحزين ببيت الشعر : رموني بعقم في الشباب وليتني.. ...عقمت فلم أجزع لقول عداتي. واستطرد يشرح الظلم والإجحاف الذي تَعرضَت له اللغة بسبب إهمالنا . صفق له ( الإدعاء) سخرية وشكره على هذه الأحاسيس النبيلة وطالب القاضي أن يسمح له باستئناف حديثه مع الأستاذ الجامعي باعتباره شاهدا مهما في القضية.
الأستاذ بدوره بدأ يشرح آلية ونهج كلية الطب في سنواتها الأولى وقبل الإختصاص حيث تقدم مناهجاً متقدمة في اللغة العربية, استناداً على أن الطالب الذي يجتاز مرحلة الثانوية يصل الجامعة مارا بمراحلها الأساسية والمهمة وينتهي تحصيله عند تلك المرحلة , وأكدَّ ذلك أيضا أستاذ الثانوية والذي أشار بعدها أنه من خلال تدريسه العربية (لمتروك) وجد أن الخلل لا يكمن في المناهج كما يزعم بل في شخصية متروك المستهترة واللامبالية ,موضحا أن الخلل عادة يقع على كاهل الأهل وأصل التربية .
حينها قدمتُ للمحكمة المناهج التدريسية من الصف الأول وحتى الثانوية والتي تخلو تماما من المتعة والتشويق سواء من خلال القصائد أو القصص أو العبر أو الخواطر مرفقا قولي بسؤالٍ : فإن كان حال ما سبق ذكره خاليا من المتعة فكيف سنجدها في القواعد والأصول.؟
تجاهلتُ الشاهد وسألت القاضي : عندما تخلو المناهج من بيت لامرؤ القيس, ووصف لعنترة, وعصماء للمتنبي , وميمية الحمداني ’ ودالية المقنّع , وتسقط من أسطرها خطبةً للحجاج , وتمتلئ كراريسنا بخطابات جلالته بيوم العمال, وخواطر جلالته في يوم المرأة, وشعرَ (فلانٍ) في مدح حذاء السلطان, ومذكرات (فلانة )في عباءة السلطان, وتصبح اللغة بأكملها تدور حول: ولادة وحديث وصفات وبطولات ومكرمات السلطان. وعندما تقوم قواعد اللغة بأكملها على إعراب جملة : دخل السلطان الحمام , وبالَ السلطان واقفاً, أو ضاجع السلطان جواريه, فأعتقد سيدي القاضي أن اللغة تصبح جافة ولا تبتلعها العقول.......


يتبع ...








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق