**الإحساس
بالمكان : مقهى الميثاق / أنموذجا
سعدي
عباس العبد .... العراق
_________________________
• الامكنة في تغيّرات مطردة ..في نمو متلاحق
.. الامكنة تفقد لوّنها ورائحتها..تضيق مساحتها فتضيق معها نفوسنا .. تنحسر
ملامح الامكنة , تأخذ شكلا غير أليف . فتنحسر معها ارواحنا ..وكلما تنحسر او
تتخفى معالم وسمات الامكنة _ امكنة الطفولة _ تتسع مساحة الذكريات وتغدو اشد
قدرة في التأثير او في تغذية قنوات الحنين بمزيدا من التوق واللهفة لبيت الطفول
الاوّل ..او الذكرى او المأوى او المكان .. المكان لا يتلاشى , بل يزداد حضورا
, ويتجدّد بكر السنوات . لا
يمحى , بل يؤثث باستمرار , تؤثثه صور تنتجها المخيّلة تسقطها على روح المكان ..
صوّر مغلفة بعلب من الذكريات
والحنين و نكهة من حرارة ورائحة الطفل الذي كناه ذات وقت ما , مَن منا اصابه او
شابه التغيير او نال منه .. المكان ام نحن .. ؟ الامكنة كوجود موضوعي قائمة
بذاتها ..مكتفية بوجودها تتبدل وفق قوانين الطبيعة شكليا ..وغالبا وفق حاجات
وتطلبات الانسان ..ولكن للامكنة وجوها عدة ..لعل الوجه الاكثر اشراقا والذي
نقصده ونعنيّه . هو ذلك الوجه الاليف .. الوجه الذي كوّن عبر وثبات الزمان
المتلاحقة ذاكرة او مخزن لحفظ الذكريات , الذكريات نتاج الزمن في صلته الحميم
بالمكان وانعكاس ذلك على الشعور الداخلي ..بعض الامكنة تبقى شاخصة في فضاء
الوجود دون ان ينال من ملامحها التغيير ..رغم مرور السنوات ..بيد اننا نحس قد شابها شيء من التبدّل
..فتحسس رائحتها كما لو انها لا تعود للمكان .. كانها تضوع من زمن لا تصلنا به
وشيجة ... في حقيقة الامر , نحن من شابه التغيير ..فتغير مذاق وطعم الرائحة ..
الرائحة لم تضوع من المكان الراسخ في خواصهِ .. بل تدفقت منا , من مشاعرنا التي
حفر فيها الزمان ..فجعلنا نسقطها على المكان الراكز .. فالشجرة ذاتها والجدار
ايضا ذاته لم يصبهما التغير سواء في الملامح او سواها ..نحن من يتغير في تلاحق
مستمر وفقا لسرعة الزمان ..والامكنة راسخة في ثباتها .. نحن من تاخذ مشاعره
الوان شتى طبقا للوقائع النفسية ..ولكن ماذا عن الامكنة التي اصاب ملامحها
التغيير ..فتلك المقهى التي كان تسمى او يطلق عليها مقهى الميثاق ..قد غدت
صورتها الاوّلى شيء من ذاكرة الماضي ..فقد تلاشت ملامحها الاليفة , انمحت تحت
ثقل ورسوخ جدران عمارة او بيوتات بطوابق عديد وتلك المساحة الفسيحة التي كانت
تشغلها تخوت المقهى اصبحت مرآب ..التغير الذي حدث للمقهى افقد الشارع العام احدى
علاماته التي تشير اليه وتدلّل على وجوده .. باختفاء المقهى تحت شكل جديد للمكان
..تلاشت علامة الشارع . العلامة الفارقة التي كان يتميز او ينفرد بها الشارع
..باختفاء العلامة ..قد اجهز على روح المكان ..باختفاءها ايضا , اختفى شيء ما غامض من
داخل الانسان ., التغير الذي طال المكان طال ايضا مشاعر ونفس الانسان __ الانسان
الذي له وشيجة بالمكان او المقهى __ .. الامكنة علامات واخواص ودليل ومرشد
التائهين .. فمن يقصد الشارع المعني كان دليلة او النقطة الدالة او العلامة
..المقهى علامة الشارع ورئته التي يتنفس عبرها التائهين و الرومانسين !!_ كم
يحتاج المكان من سنوات . كي يرسخ شكله الجديد في الذاكرة .. كي يألفه جيل آخر ..
يتآلف مع امكنته .._ الامكنة روح والفة ورائحة ..اختفاء علامة الشارع ..القت
بظلالها على من له صلة من نوعا ما , بالشارع , وبالتالي انعكس ذلك التغير على
نفسيته او داخله ..المقهى التي ارتدت شكلا اخرمغايرا تماما . ليست ذكريات واحداث
مؤرشفة في الذاكرة عن المكان فحسب , انما هي تعني على نحو ما ,
الزمن في تمدّده طبقا لنمو
الانسان في نظرته او رؤيته لزمن .. فاليوم في طفولتنا . كم يبدو طويلا بساعاته
الماشية على مهل .. حتى اذا ما مرّ اسبوع على ذلك اليوم ..نتصور وكأن عاما كاملا
مضى عليه , فالزمان نسبي في تلاحقه .. يتباين بالطول او المدة طبقا للمراحل
العمرية , فامكنة الطفولة التي لم يترك الزمن تأثيره او فاعاليته عليها بعد
..تتبدى لدى الطفل كما لو ان ازمنة مهولة مرت عليها ..فيتضاعف شعوره باهمية
والفة المكان المقصود.. وتحدث تغيرات سيكلوجية في بنيته الداخلية ويستغرق بسرد
حكايات حلُمية الى لداته او اترابه ممن يماثلونه في السن والاحلام الرومانسية
المبكّرة او التي لم تزل تتبرعم في النمو ..موضوعة الطفل والمكان او علاقته
بالمكان . موضوعة تحتاج لمتخصصين لتغطيتها
سعدي عباس العبد
.... قاص من العراق
_________________________
|
الثقافي ثقافي : صحيفة اسبوعية تعني بالشؤون الثقافية .. تصدر من على صفحات المنتدى الثقافي ثقافي . تصدر اسبوعيا صباح كل يوم سبت _ صحيفة الثقافي ثقافي لاتتحمل أية مسؤولية عن المواد المنشورة , ويتحمل الكتاب كامل المسؤولية عن كتاباتهم التي تخالف القوانين أو تنتهك حقوق الملكية أو حقوق الآخرين أو أي طرف آخر . .راسلونا :alaahamied1@hotmail.com __ اتصلوا بنا :0045.91454973 الجمعة والأحد... عطلتنا ..______ كوبناهاكن العدد ( 24 )السنة الأولى / السبت 7 / 6 / 2014
المشاركات الشائعة
-
قصتان قصيرتان جدا ابراهيم كمين الخفاجي .... العراق نكاح .. ق ق ج ضمخ الخطيبان هدمهما بالمسك والعود استعدادا للمثول أما...
-
"تعبتُ مِنَ الموتِ يا جُثَّتِي" - شعـر: محمد علي الهاني الفوَانِيسُ تَلْهَثُ في أَوَّلِ السَّطْرِ آهٍ... تعب...
-
كحلها الداكن فخري السلفاني العراق أيقظت وحي الشعر من سباته واجتثت من جوفي الكلمات جعلتها ترقص على صهوة ل...
-
الشيء الجميل وضاح صبوح سوريا هو الشيء الذي لم يسقط بعد من فضاء المخيلة -1- تخيل أن تمتطي حصانا .....
-
أراجع حساباتي عود الارائك ... العراق فترتجف ألكلمات . يسقط كوكبا كان بريا ...
-
كاملة سوالف عتيجة عادل وطن .. العراق صويحب چان رجال فقير من اهل الله ، وعنده مرة أس...
-
رَن قلبي منى البكر فلسطين ... هاتفي رنّ منذ ساعاتٍ أقصدُ منذ سنوات لم ينزعج منکْ ب همس .. سبحان من يُغير الاحوال مابين ...
-
قطاف القبل سنية السعدي تونس أسراب القطا تسامرني تفتح أزار القميص زرا زرا متأملة جراح صدري العاري تصطبغ أجن...
-
قدها سيف على أعمدة العهــــد ==================== شعـــر : محمد العصـــــــــــــامي ==================== استهلال كلما تهت ...
-
اخر الليل بهية مولاي سعيد مطر يخدش حياء النوافذ يبللها برضابه الشفاف حملته غيمة تائهة عن س...
الخميس، 10 أبريل 2014
**الإحساس بالمكان : مقهى الميثاق / أنموذجا سعدي عباس العبد .... العراق ...
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق