المشاركات الشائعة

الأربعاء، 16 أبريل 2014

الشعر الحديث ابراهيم محمد جواد ........ سوريا ..........















الشعر الحديث
ابراهيم محمد جواد ........ سوريا


لعلَّ في هذه الخاطرة ما يمكن اعتباره تفصيلاً لبعض فقرات الخاطرة السابقة، وهي أيضاً موجهة للشعراء المبتدئين، الذين نحبهم، ونحرص أشد الحرص على الأخذ بأيديهم .
إن الشعر الحديث لا يمكن- بحال من الأحوال- أن يقتصر على نوع واحد من الشعر فقط، والباب مفتوح لأن تتجلى مظاهر الحداثة وجواهرها، في كل أنواع الشعر مقفّىً كان أو( مفعَّلاً) والعبرة بالشاعر، والمواضيع التي يطرقها والأسلوب الذي يطرحها به، والأثواب التي يقدّم بها شعره .
فإذا سميناه بالشعر المنثور، فتلك التسمية غير صحيحة، لأن الشعر شعر، والنثر نثر، وكلاهما فن جميل من فنون الإبداع الأدبـي، يتسع لكافة مجالات الإبداع والفاعلية والتأثير، وكلاهما بيان، وإن من البيان لسحراً، كما قال النبي صلى اللّـه عليه وآلـه وسلم، فلا مسوّغ ولا مبرّر للخلط بين هذين الإبداعين، ماداما مرغوبين جميعاً، ولكل منهما ساحاته وميادينه، التي لم يكن للآخر أن ينافسه فيها.
وإذا سميناه بالشعر الحر، فتلك تسمية معقولة مقبولة، ويبقى الخلاف فـي مدى تلك الحرية، هل يكتفي الشعر الحـر بالتفلّت من الضوابط الخليلية فقط، أم ينطلق مـن أسر كل الضوابط والقيود، فيعود نثراً؟.
وما دمنا لم نقبل بأن يسمى المنثور شعراً، وقبلناه ( نصّاً أدبيا) نتملّاه ونستمتع بسحره، فلا بـد أن يكون الشعر الحديث المقبول لدينا، ملتزماً ببعض الضوابط والقيود، كالتفعيلة مثلاً، أو الإيقاع والموسيقى على الأقل، وإذا التزم بكليهما فهو الشعر الحر الأفضل والأجمل .
إذا نظرنا إلى الشعر الحر بعـين الواقعية والإنصاف، فسنجد أنه شعر جميل، وسنجد أن أجمل ما فـي الشعر الحر، تفلّته من هيكلية البحر وأسر القافية النمطية، وفـي نفس الوقت، فإن أسوأ ما فيه تخلّيه عن التفعيلة أو خلوّه على الأقل من الإيقاع الموسيقي، إذ ما الذي يميز الشعر عن النثر سوى الجرس الموسيقي؟.
إن أدنى ما يخرج الكلام من فن النثر، ويدخله إلى عالم الشعر، هـو الإيقاع الموسيقي، ثم تأتـي التحسينات الأخرى، مثل حسن الصورة، وجمال الكلمة، ورشاقة العبارة، وقصر المقطع أو الجملة وأهمية الفكرة، وحداثة الموضوع، وتأثيره في الواقع المعاش والبيئة القائمة .
وأنا كشاعر مارست الكلاسيكية في أغلب شعري، قـد وجدت نفسي الحقيقية في هذا الشعر الحـر الذي وصفت، وربما إن ممارستي للشعر الـحر، قد ساعدتني فـي تطوير شعري القائم على البحور والأوزان الخليلية .
وهنا أسجل، أن كثيراً من الشعراء الملتزمين بالبحور والأوزان الخليلية، قد سقطوا في هذه الهوة، فجاء شعرهم نظماً خالياً من الشعور، لا يخاطب الوجدان ولا يحرك الضمائر، ولا يهز المشاعر ويدغدغ العواطف.
ويعتبر الرمز من محسنات الشعر- أي شعر-، وأحد مطاياه إلـى الإبداع الفني، ولكن الإفراط فـي الترميز، والسباحة في بحر الطلاسم والألغاز، والرفرفة فـي ضباب الغموض والإبهام، يسلخ عنـه هذه المحسنات، ويخرجه من دائـرة الإبداع إلـى دائـرة العبثية، التي لا جدوى منها، ولا طائل وراءها، ويفقده أهميته وتأثيره فـي الحياة، وفاعليته فـي المجتمعات والشعوب ..
قلنا أن من محسنات الشعر الحر، حسن الصورة وجمال الكلمة ورشاقة العبارة، وقصر المقطع أو الجملة، ويفقده هذه الحسنة رشق الكلام دون انسجام، ونثر العبارات علـى غـير نظام، ومردُّ كل هذه الإيجابيات أو السلبيات، إلى الشاعر لا إلى الشعر، وإن كان عدم تحديد الهوية أو الماهية يلعب دوراً كبيراً في هذا المجال.
وإن مجرد رصف الحرف إلـى جانب الحرف، وضم الكلمة إلى الكلمة، ورفـد الجملة بأخرى، لا يمكن أن يرقى بالنص إلى مرتبة الشعر، ناهيك عن الإبداع، مهما كانت الكلمات رشيقة والجمل شفّافة لمّاعة، إذا لم يكن المضمون السليم والمعنى الواضح المفيد محمولين على إيقاع ساحرٍ، ووزنٍ جميلٍ آسر.
ومن المؤسف حقّاً، أن هذه التفلُّتات من كل قيدٍ وشرطٍ، قد أغرت بعض العاطلين من المواهب الشعرية لاقتحام نادي الشعر، دون دفع ثمن بطاقات الدخول، تساندها مؤسسات تروّج لها ولشعرها هـذا، وتبرزه مقدمة إياه علـى أي إبداع حقيقي، بـل وتحجب كـل إبداع سواه بشكل سافرٍ وصريح، لكنها علـى كل حالٍ مجـردُ موجـةٍ طاغيـة، لا بد لها أن تنحسر، جارفةً معها كل هـذا الزبـد الطافـي، الذي لم يجلب متعـةً ولم يقدم نفعاً، ولن يترك وراءه لأصحابه أثراً .
ونقطة أخيرة من المفيد أن نتطرق إليها، وهي القصيدة المحكية، وهي مـن أنواع الشعر الحر، ولكنها فـي الغالب الأعم، أكثر التزاماً بالإيقاع الموسيقي، وكلما زاد التزامها، غدت أصلح للغناء أو النشيد، وكلما تفلتت مـن شرنقة المحلية والقطرية، وارتدت لباس المشاعر الوجدانية والإنسانية العالمية، زادت فرصتها في البقاء والخلود.
و ما أجمل قول العزيز الحكيم سبحانه: ﴿فَأَمَّا الزَّبَـدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً، وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ ﴾ سورة الرعد: الآية 17 .



إبراهيم محمد جواد (من كتابي المخطوط: خواطر وذكريات )
سوريا ................



 * * * * * * * * * * * * * *
* * *







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق