المشاركات الشائعة

الأربعاء، 5 فبراير 2014

رسائل الجنود ... سعدي عباس العبد ... العراق ................








قصة قصيرة __ رسائل الجنود __
سعدي عباس العبد .. العراق

لما دخلت الزقاق . كان الضحى يمشي في خطوته الاخيرة نحو الظهيرة , والريح تحلّق خافقة في نور الضحى . . انبثق وسط النور صبي , يجري في غبار الزقاق , قلت اخاطبه بنبرة تشي بالتذمّر وانا اشير إلى احد بيوتات الزقاق __ : أهذا بيت العريف [ ق ن ] . اجاب وهو يجري .. __ : نعم هو ..كان الباب مغلقا , وقبل انّ ادنو ناحيته , كان الصبي قد طرقّه وتلاشى في الفضاء البعيد , سرعان ما اطلّت إمرأة في مقتبل العمر وريعان الجمال , وبشعر فاحم طويل مسفوح على كتفّيها يتموج في نور الضحى النافذ عبر الفراغ الذي تركه الباب وهو يرتدّ للداخل . الفراغ المضاء الذي شغلته المرأة برأسها المشّرئب المغمور بهالة من نور الضحى , النور الماسك بملامحها المضيئة المستكينة لإغواء ينضح رغبة تتموج في العيون الشديدة البريق للغاية ! . قالت بنبرة ممدودة , ناعمة , ناعسة تشي بالغواية __ : تفضّل .. أتريد شيئا .. قلت __ : انا قادم من هناك , من الجبهة .. احمل معي رسالة من [ ق ن ] . قالت __ : يا مرحبا .. أأ نتما في نفس الوحدة .. واضافت : ادخل .. تردّدت في بادىء الامر .. بيد إني سرعان ما خطوت للداخل عبر ايماءة ملّحة من يدها . قادتني وانا اقتفي اثرّها عبر ممشى يفضي إلى إحدى الحجرات في اقصى الحوش , حجرة مركونة وراء حجرة مغلقة . يدخلها النهار عبر نافذة مشرعة على فضاء ساكن .. قالت وهي تدّعوني للجلوس __ : في أي قاطع انتما الآن ؟ قلت وانا اقتعد الطرف البعيد من الأريّكة __ : في ذات القاطع .. لا نزال في [ نهر جاسم ] .. لا نزال .. كأننا غاطسون في حوض [ تيزاب ] .. قالت __ : كأني انصت لأنين زوجي .. كأني اسمعه يأتي من هناك , من البراري , كأنه يتدفق الآن تماما !! .. أرني الرسالة . مدّدت يدي بالرسالة عبر الفراغ المتوتر الفاصل بيننا . فاحسست باطراف اصابعها تتحسس يدي وهي تطبق على الورقة .. فجفّلت واصابتني الدهشة , فشعرت كأني انحدر في مجرى زلق . او كأني شمّمت رائحة العريف زوجها تضوع من ذراعها العارية البيضاء أو من اصابعها الماسكة بطرف الرسالة . الرسالة التي لما تزل تضوع برائحة العريف والملجأ والسخام والنهارات الداخنة والموت والذكريات والبراري .. لمحت في عينيّها المشعّتين بصراخ حار , رغبة جامحة تنضح شبقا تلّتم عند شفتيّها الرخيتين اللامعتين وعيونها التي ما انفكت تلاحقني بتلك النظرات المتّخمة بالنداء والرغبة .. مسحت وجهي المتصبّب عرقا وانا اشعر بصوت خفي يتدفق من بعيد .. من اعماق برّية . برّية عارية تتخلّلها عزلة موّحشة .. قالت __ : أشعر بالنعاس .. سأنام ... أتنام معي ! ! ؟ الفراش ناعم . لا يشبه تلك اليطغات التي ترقدون فوقها .. والباب مغلق يحجب عنا اصوات الخارج .., نهضت لتوصد النافذة واضافت : وجسدّي لما يزل طريّا ريانا .. اخشى انّ يجفّفه الظمأ ويحيله إلى محض كتلة متيبّسة .. لكنّه سيكون لدنا ناعما حالما تقبّله بذراعيّك وتغمرني بتلك الرائحة التي طالما تقت اليها وهي تضوع من بدن العريف . قلت كما لو اخاطب احدا ما , خارج فضاء الحجرة __ : لكم تبدو الدنيا غريبة لا تحتمل في بعض الاوقات . قالت وهي تستر اتزانها المثلوم __ : لكم هي قبيحة وفاجرة , حربكم هذه .. تهبّ ريحها المدنّسة كلّ مساء , فتجفّف ماء الحياة في عروقي .. تيبّس ليونة البدن ..لم يكن بوسع الايام الشحيحة . ايام الإجازات التي يقّضيها العريف معي , انّ تروي ظمأي .. كان كلامها يتدفق لاذعا مخيفا . فطافت في ذاكرتي ارهاط هائلة من النساء القابعات وسط حجرات تنضح خواءا وجفافا .. فلاح عبر ذاكرتي طيف زوجتي , فتذكّرت آخر مرة سمعتها فيها تئن بصوت ممدود وهي تحت ثقل بدني الصاهل . فاصابني الفزع حالما تذكّرت الايام الصاهلة المفعمة بالنداء والرغبة والتي حتما ستهبّ إبان غيابي هناك .. ستهب رياحها الصدئة على السرير تنشر اشرعة الخوف تخفق في فضاء من الجفاف والغياب .. فتخيّلت زوجتي وهي ترفل بثوب شفاف يكشف عن عُرّيها الرجراج المثير, أو وهي تنام بكامل عُرّيها اللامع في التحام حميم مع ذلك الجندي الاسمر الذي بعثت معه رسالة اليها ..فطافت على الفور ملامح ذلك الجندي .. وكما لو اطبقت على خناقي يد مهوّلة , فزّزت مرعوبا وانا استعيد عبر مخيّلتي كلّ التفاصيل المفترضة .. كانت المرأة قبالتي غارقة في نور فاتر يندلق عبر الباب الموارب المطل على الممشى المضاء , ساندة رأسها المؤطر بشلّال من الشعر الفاحم الى الحائط .. تحملق دهشة كما لو تبحث عن شيء افتقدته في برّية موحشة أو كما لو انها كانت تنصت لهواجسي الخفّية !! المطبوعة آثارها المخيفة على ملامحي المتجهمة قالت __ : لم يترك ليّ العريف غير ذكرى شاحبة مطبوعة على الوسادة , استعيدها عند اشتداد رائحة الجدب واليبوسة , هي ملاذي في اوقات غيابه , ما زلت اتذكّر اوقاته النادرة في ايام الإجازات الشحيحة , إجازاته من الجبهة ..كانت اوقاتا شديدة السحر والنماء , .. __ اوقات مجتزءة من ايام طويلة ينفقها العريف هناك في مجرى حالك من الجدب والخواء , واليبوسة البرّية __ والممتلىئة بكلّ روعة اللذاذات المتكرّرة في اوقات نادرة , هي اوقات إجازته ..الاوقات المتباعدة ... كنت دائما استعيد طيفه ورائحته , كان هنا وامأت لقلبها ولم يزل وسط قلبي المفتّت المثلوم بانصال الأثم .. لم يزل يستوطن وسط ظلوعي , وفخذيّ .. واستطردت بصوت فاتر : أتريد انّ تفعل كما يفعل هو في ايام الإجازة ..! . فازاحت طرف ثوبها , رفعته عن فخذيّن ممتلئين ... فاطلّت زوجتي على غير توقع , عبر ذاكرتي المشوّشة , بفخذيّها الباذخيّن الثريّين بالامتلاء والبياض .. فلمحت ذلك الجندي البرّي الاسمر الذي حمل رسالتي من الجبهة اليها .. لمحته يثب من ذاكرتي , ينط بغتة ويركب فوقها بكامل صهيله ولهفته وجفافه البرّي , فينزلقان معا في مجرى حميم من اللذة والعُري ..فضاعت عبر ذاكرتي رائحة مخيفة تنضح كراهية ورعبا .. رائحة كانت تتصاعد وتشتد بكرّ الوقت العصيب .. رائحة مشوبة بنداءات برّية مجفّفة , تتدفق من اعماقي ومن البرّية ومن السخام والدخان وصوت القذائف ومن الرسائل , رسائل الجنود ................. بدت المرأة بفخذيّها العاريّين كما لو إنّها تتهيأ للغطوس في نهر .. او كأنها متأهبة للجري إلى هناك .. صوب البراري . البراري المكتظة بأنين وغناء وجراح وذكريات واحلام الجنود ..
لم اقل للمرأة شيئا وانا اخترق الممشى الذي قادني خارج المنزل . مشيت محاذاة جدران ظليلة ..مشيت ذاهلا , مشدوها .. كما لو إني امشي بلا قدمين بلا خطوات . عائم في فراغ مخيف .. / انتهت /





































ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق