المشاركات الشائعة

الجمعة، 21 فبراير 2014

مخلّفات الجندي .. سعدي عباس العبد .. العراق









 



قصة قصيرة _ مخلّفات الجندي .. _
سعدي عباس العبد .. العراق

مازالت الشمس تتدفق عبر النافذة المشرعة على الزقاق . تسيل لامعة في فضاء الغرفة , وتنزلق اسفل المرآة بمواجهة السرير .. كان النور ما يزال يندلق من الخارج غزيرا , عندما طفقت المرأة ترنو إلى الجندي المتجمّد في الصورة .. بدا الجندي المتجمّد مشعّا في النور . لعقت شفتها السفلى بطرف لسانها وهي تتحسّس مساحة لدنّة رخوة من بطنها , ثم رفعت عينيّها ناحية الصوّرة , فلاح لعينيها الجندي المحنّط وراء زجاج يلتمع في الشمس . كما لو انه يخترق عبر عينيّه مسافات شائكة من نور الشمس .. انزلقت يدها اسفل سرّتها , تتحسس ذلك الشيء .. فتملّكتها رغبة .. سرت في اوصالها المجفّفة , وهي تتطلّع إلى الجندي , الذي مكّث يحلّق بعينين حجريّتين ذاهلا , كما لو انه يراها مثل زهرة بريّة تتجفّف على مهل , او مثل نهار تبدّد في اوّل الظلام ... مايزال الجندي منذ خمسة سنين كما هو لم يطرأ عليه ايما تبدّل ! منذ خمس سنين , هي المدّة التي مرّت على انتهاء الحرب , تطالعها ذات الملامح المحنّطة في الصورة , يرى إلى النافذة عبر عيونه المجفّفة , كأنه يرى للبعيد , او كأنه ينتظر في البعيد بزوغ الشمس , او كأنه يتحسسها او يقبّلها بعينيّه .. فيصيّبها الذهول وهي ترى إلى وجهه المجفّف يتسع كأنه يخترق حاجز الغياب والزمان ويدنو , بيد انه سرعان ما ينوارى , يتلاشى كذكرى شاحبة ... ما ان يتناهى لاسماعها صوت [ الدوّار , 1 , ] . المفعم بذكرى رغبات محمومة تنضح شبقا حارا , حتى تهبّ من فورها . تنصت لنبرته بكامل احلامها الخضراء الطريّة , لم تقو على كبح جماح رغبتها النابضة بذلك النداء الخفي الموّار , المنبجس من اعماق رطبة والنامي وسط مساحة مجفّفة تنبض بظمأ يشتد اسفل سرّتها , وبين ثديّيها المنّدلقين سرّتها ويمتد لمساحات راعشة تكتظ بالرغبة المتفجّرة في بدنها , فتحس بدبيب آثار ممغنط , فيشيّع في اوصالها المحمومة , مجرى دافق من إحساس اقرب ما يكون للنشوة , نشّوة تبدّد جزءا من الجفاف المعرّش في شفّتيها العالقتين بنعومة الوسادة . زحفت اصابعها , تاركةآثار الخدر تنمو منعشة وسط احشائها المتأجّجة , فاطبقت بهما على حافة الوسادة المحشوّة بندف قطن ناعم الملّمس متخيّلة كأنها تطبق على وجه ما او وجه الدوّار ..جعلت تعتصر المخدّة برغبة شبقة كأنها تروم ارتشاف رحيق اللذة . اللذة التي ترك الجندي آثارها مطبوعة مطبوعة _ كشفتيّن من اسفنج _ على الوسادة , تمتصان عبر كلّ تلك المديات النائية الرحيق المسفوح من شفّتيها على القماش , القماش الذي بلون السماء والذي ينبثق من وسطهِ وجه بلوّن الرماد . وجه يشطره من المنتصف خيط صوف رفيع اسود يتلاشى تحت اصابع المرأة المضمومة إلى المخدّة .. ثم مالبثت انّ مدّت يدها عبر الفراغ المحيط بالسرير . كما لو انها تحلّق او تهبط بيدها , هبوط او طيران استغرق زمنا عصيّبا مجفّفا . قبل انّ تنوش بيدها الطائرة حافة السرير , فوجئت بوجهها محجوزا في المرآة , يطّل عليها من افق مضيء وهو يفيض بالتمعات فاترة تنبجس من بقايا دموع مجفّفة , عالقة في عينيها الرطبتين . مسحتّ باطراف اصابعها اسفل عينيها , وقبل انّ تسوّي خصلات شعرها المسفوح على جانبيّ وجّهها , ارتطمت عيناها بالجندي المجفّف في الصورة . جعلت تنصت لنداءه الخفي المتدفق عبر اعماق ما انفكت تتفتّت على مهل .. ولما اضحت قبّالة عينيه تماما وجدت نفسها في لحظة تهتّك فتملّكتها رغبة آثمة في معاينة عُري ثدّييها عبر المرآة , فلاح لعينيّها بياض حليبي يشّع في المرآة ويسيل على ثدّييها المنّدلقين في نور الشمس الملّتم على المساحات الطريّة الرجراجة . تلك المساحات المتألقة التي تشدّها باستمرار , تشدّها لنهارات نادرة شديدة العذوبة والسحر للغاية . .. نهارات كانت تنبض بالرغبة , وبتلك الرائحة الذكوريّة التي لشد ما تفتقدها الآن , والتي لما تزل بقاياها الشحيحة تشيع في اعماقها جذوة توق متأججة .. انزلقت عينا الجندي اسفل الثدّيين حالما تراجعت بظهرها لحافة السرير , ساندة ذراعها العارية للوسادة , ...... فيما بقي الجندي المترسّب في قعر حطام , يحدّق بعينين متحجّرتين عبر مسافات غير منظورة , مسافات مفعمة برائحة ظلام وغبار .. ظلام يسيل مثل دموع مجفّفة في ذاكرة المرأة المداومة على معاينة العُري المنّتشر ساطعا في المرآة . والملتمع ضحى البارحة في عينيّ [ الدوّار] , الدوّار الذي لبث وقتا مضيئا . وقتا لامعا كالذهب !! يرتشف بشفّتيه المتيبّستين من فيض العُري .. العُري المتجأجج النابض برائحة ظمأ معرّش في المساحات البيض المترجّرجة تحت ضغط يهبط ناعما راعشا بصهيل جامح , صهيل ينفذ إلى لحمها الطريّ , فيتصاعد خدر لذيذ يدب ساحرا في اعماقها . . مكث الجندي يعايّن دون ادنى اكتراث عبر صورته المزجّجة , او عبر الزجاج او عبر سماء غائمة كالزجاج , تلوح المرأة لعينيّه , عبر ذلك البعد الممغنط السحيق المحنّط في الزجاج , كفراغ لا مرئي .. انتزع الدوّار وجهه المترع بالشبق والملّتحم بليونة الثديّين . ففوجىء بوجه الجندي الصارم والمتحجّر وهو يصرخ بعينيّه المجفّفتين ,.. لمحه يخوض في فيضان من نور يندلق عبر النافذة . فتراءى له كما لو انه يخرج من فضاء الوقت الزجاجي ! .. من عمق الجدار .. من البراري .. من غور ناء ..من دخان ..ويتلاشى في سماء مقفرة . يلوح وجهه المدمّى المتخم بالثقوب وهو يخترق حاجز النور والاشياء , فتلتمع مساحات الدم كأنها تفيض من هالات الضوء المنبجس من الزجاج .. كان وجها ينضح غبارا ويأسا , تحفر البرّية في تشوّهاته شروخا من الألم _ او هكذا كان يتراءى اليه الجندي _ في الصورة المزجّجة . كما لو انه كان من ذلك البعد البرّي السحيق يتفرس وجه الدوّار العاري والناظر اليه . فيما مكثت المرأة تحيط الدوّار بثدّييها وذراعها العارية الطويلة .. ولما فطنت في وقت متأخر إلى الجندي الذي لم يخرج منذ سنين حافلة بالصمت والعزلة والتحنيط من الصوّرة .. من الغرفة .. من الحرب .. من الهواء الرطب الثقيل العالق في فضاء الحجرة .. قال الدوّار واصابعه تنزلق اسفل ثدييّ المرأة _ : أهو زوجك ..قالت _ : مَن .. تقصد الجندي المحنّط في الصوّرة .. انه عالق هكذا _..منذ سنين يتحلّل في ذاكرتي _ على مهل , اسندت رأسها إلى كتفه وتحسست باطراف اصابعها اسفل سرّته واضافت بنبرة ممدودة : لم تخبرني .. ماذا عن مخلّفات الجندي , أتشتريها ؟ لا تزال هناك مركونة في الغرفة المجاورة . قال _: لا تساوي شيئا . قالت _ : وانا .. قال _ : انتِ الأثر الوحيد الذي خلّفه الجندي .. الاثر الذي استأثر باهتمامي .
ما زالت تحدّق مليا إلى عُريها الملّتمع في المرآة , لما تناهى لسمّعها من بعيد صوت الدوّار يتصاعد عبر فضاء الشارع وهو يخترق الجدران والنوافذ والصمت وبدنها المتأجّج انوثة ورغبة والنابض بنداءات حارة تتدفق متزامنة مع نداء الدوّار ..النداء الذي راح يخترق النافذة المشرعة على الشمس وعلى رياح صدئة ! بقيت تنصت لنداء وهو يدنو نحوها ونحو الجدران والصورة والسرير وذلك الشيء .../ انتهت /
__ 1 _
الدوّار هو يدور على البيوتات . لشراء الاثاث المستعمل / او من يتاجر ببيع وشراء الاثاث القديم _




















ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق