المشاركات الشائعة

الثلاثاء، 10 ديسمبر 2013

التغيّر / خديجة السعدي ....... العراق ..........................




التغيّر
خديجة السعدي ....... العراق

كانت سنواته الثلاث الأخيرة مليئة بالخوف والارتياب. قلق عميق ظلّ يلازمه طوال هذه السنين. وعلى الرغم من تعاقب الأيام والليالي، لم تستطع الغبطة أن تلج قلبه ولو للحظة .
"انهض يا بنيّ،" قال الأب مرة أخرى وهو ينظر إلى ابنه النحيل بألم وحسرة. "جسدكَ له عليك حقّ. يجب أن تهتمّ بهذا الوعاء الذي يحوي كلّ شيء وإلا... قمْ يا ولدي، قمْ."
"أرجوكم اتركوني وشأني. لا أريد سماع المزيد من النصائح. ألم تملّوا من التكرار؟"
"معكَ حقّ يا ولدي، معك حقّ."
أشاح الابن بوجهه إلى الجهة الأخرى وغرق في صمته المعتاد .
أطرقتْ الأمّ معتصرةً ألماً في أحشائها، وبأصابع متردّدة، تناولت وشاحاً أسود كان معلّقاً على المشبك قرب الباب. التفحت به وأخذت تجوب الغرفة ذهاباً وإياباً وتحدّق بوجوم في خط الأفق الذي بدا لها حدّاً فاصلاً بين عالمين. حتى الغسق الشفيف بات عاجزاً عن زرع البسمة على شفتيها .
"حياتنا وهمٌ كبير،" قال الابن الشارد فجأة. "أيادينا مكبّلة بقيود لا فكاك منها. أغلب علاقاتنا زيف وحسب. الحقيقة لن نصل إليها. تنقصنا أشياء كثيرة ..."
"لا شكّ أنك تسير في طريق مليئة بالحيرة يا ولدي،" قالت الأم. "لكن انكفاءك على ذاتك لن يساعدك في شيء. اخرج من صمتك وحاول أن ترى ما حولك ..."
أغمض الابن عينيه محاولاً الهرب من نظرات أمّه المشفوعة بالشفقة والحنان .
"لملمْ نفسك يا بني، فنحن نريد لك الخير. وهذه الانكسارات قد تصيب أيّاً منّا. انفض عن نفسك اليأس وسترى أن هناك الكثير الذي يمكن أن تفعله."
ابتلع الابن مرارته الخفية ولم ينبس بشيء. ربما أراد أن يقول شيئاً، لكنّه كان متيقناً أن أمه لن تفهم. كان صمته مختلفاً ويقين ما مبهم يتملّكه. انكفأ على ذاته يترقّب حدثاً ما كان لا بدّ أن يحدث بعد كلّ هذه الأعوام .

خديجة السعدي ... العراق

........................................

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق