الطابق الخامس ...
رواية على فصول
مظهر عاصف ... فلسطين
تنفرد صحيفة الثقافي
ثقافي بعرض رواية الشاعر الفلسطيني مظهر عاصف على فصول ....
(الطابق الخامس) ج4
لم يدهشه قرار إنهاء
خدماته من المشفى بل منعهِ من دخول مكتبهِ ولملمة حاجياته,
مدركاً قي قرارة نفسه أن الدخول في جدلٍ ولغطٍّ مع أفراد أمن المشفى الداخلي سيكون ذريعة للنيل من احترامه, فلزمَ الصمت وانتهجهه ايضاً أثناء انتظاره لعطف (السكرتيرة) في السماح له بالدخول لمكتب (سندس )ومقابلتها ,وما أن تكرمت وفعلت قرأ في عينيها الكثير من العبارات التي تدور حول شماتتها به , والتهكم على حاله, لكنّ العبارات الأشد قسوة_ والتي بدت تتقلب كالماء في القدر الساخن _ وأوضحها تعبيرا ظهرت جليا بحدقاتِ ( سندس ), وحالما أراد أن يشعل لفافة تبغه انسالت تلك العبارات على لسانها محذرة : _ التدخين ممنوع في المستشفيات أخ (متروك ) . _ كلام سليم , في المستشفيات لا في مراكز تجارة الأعضاء البشرية .ثم إننا لا نصلح أن نكون إخوة . غمزها بقوله قبل أن يفعل ذلك بعينه كمذكرٍ لها لأمرٍ ما, ,أخذ نفساً خفيفا من لفافة التبغ , بينما ضحكت قائلة : عندما أصبحتَ خارجه بدا كذلك , لكنه كان _ مشفى مميز وإنساني ويعالج المرضى ويخفف آلامهم وأنت على رأس عملك فيه , مذ عرفتك وأنت تحاول قلب الحقائق . _ لا يوجد مصطلح اسمه ( الحقائق) , الحقيقة المطلقة هي : الله , وعدا ذلك احتمالات ومتغيرات . _ الله ؟! , تتحدث دوما كأنك (إمامُ الحرم المكيّ), وأنت فقط : مراهق وطائش, عدا أنك لا تحترم نفسك مطلقاً . هل يمكن أن تصف لي شعورك وأنت على علاقة مع فتاة مريضة ومشوهة , _ شعورٌ لا يوصف , قد لا يتمكن( المعرّي) نفسه من وصف هذا الشعور, لقد ابتلاني الله بحب المريضات . تجاهلت مقصده فتابعت : والأدهى من ذلك أنك لا تحترم المكان الذي تعمل به فرحت تلهث وراء شهواتك ضاربا بعرض الحائط القسم الذي اقسمت عليه, والسمعة التي هي رأس مالك كطبيب , هذه ليست اخلاق طبيب يحترم نفسه وعمله . الجملة الأخيرة كانت السبب في الضحكة التي أطلقها , فعن أي أخلاق تتحدث, وهي التي كانت تركض خلفه من مكتب لمكتب. ومن غرفة مريض لغرفة أخرى كأمٍ فقدت وليدها ؟! وعلى الرغم بأنه متزوج طلبت مودته ولطاما ارتشف شفتيها هنا وعانقها هناك لم يحبها يوما لكنها ساحرة جدا فكان ينتصر جمالها دوما وسحرها على ايمانه الضعيف . كثيرا ما كان يحاول وضع حد لعلاقتهما والثبات على مقاطعتها, ولكن رسالةنصية منها تتضمن بيت شعر( لنزار ) كفيلة بتراجعه عن موقفه , وقد تكون صورة تظهر من خلالها حزينة أو شبه مثيرة كفيلة أن تنسيه ذلك الموقف تماما ,_ فالرجل الذي لا يخسر الحرب لشجاعته قد يخسر نفسه جرّاء الحسن والجمال والتسْوِيفْ _ فتراه يستأنف العلاقة مجدداً وهذا لا يعني مطلقا انه بلا موقف, فأكثر ما يميز شخصيته هو إصراره على مواقفه وسرعته البديهية في ردة الفعل بحزم , ولعل هذه الصفة ما أثارت يوماً حفيظة ( عفيف بيك ) الذي تفاجأ منه حينما أعترف اثناء التحقيق معه بإحراق ( العلم الأمريكي) في مدرجات مسرح الجامعة على مرأى من أنظار (السفير الأمريكي) والذي حضر حينها لإلقاء محاضرة عن الديمقراطية وحقوق الانسان ,بينما تنكرَّ جميع أصدقائه من هذا العمل وتنصلوا منه, ولم يكتفِ بالاعتراف بل وأنشد شعرا اثناء التحقيق يطالبه به أن يبارك عمله بدل أن يسجنه . ولكن الفترة التي قضاها في السجن أول مرة بسسب حرقه للعلم , كانت مفيدة له في المرات التي تعرض بعدها للاعتقال _ فعندما يوضعُ القيدُّ حول اليدين تتحرر الأفكار سريعا, وعندما يلامس الجسد أرض وجدران السجن يسقط الخوف من ذهن السجين _
_ وخاصةً عندما طالبَ بعد
أن تخرج وأصبح طبيبا مغمورا ضمن مؤتمر طبي شركات وخبراء وأطباء التجميل بمقاطعة
المنتوجات( الأمريكية والاسرائيلية) والتحقق من مصادرها, ودعم المشاريع والمنتجات العربية فقط
.
(عفيف بيك) هدده في المرة الأخيرة أن يقتلع عينيه إن عاد لمراهقته وسيرِهِ عكس التيار .حينها ضحك وأنشد: (أترى حين أفقأ عينيك ثم أثبت جوهرتان مكانهما..هل ترى..؟هي أشياء لا تشترى.. بدا وجه (عفيف بيك) مكتظا بالغضب, فتصاعدت دماء الفوضى لتصل جبينه لكنه تماسك قائلا : جوهرتان؟! _بتهكم قال (متروك) : نعم, جوهرتان. _ إنها :جوهرتين يا فصيح وليست جوهرتان. _ حفظتها حديثا, يبدو أن صديقي الشاعر خدعني حينما سردها على مسامعي. _لا يجوز , شاب مثقف مثلك وقومي , ويسمح لنفسه أن يكون مستقبله الأكاديمي والطبي على المحك وفي هباء الريح بسبب مواقفه السياسية, يتوجب عليه أن يتقن قواعد اللغة العربية , أنا انصحك بذلك لأنك ذات يوم يا بني ستجد نفسك على قارعة الطريق بلا عمل, وحينها قد تتوجه للعمل كإمام مسجد او خادمه وهنا الخطابة تحتاج للفصاحة .(قالها متهكماً.) _ أنتم السبب, سأرفع قضيية في الغد على الحكومة لأنها لم تعلمني النحو والصرف كما ينبغي في المدارس والجامعات ؟, أنت محق, ماذا عساي أفعل عندما أُحرَمُ من مزاولة مهنة الطب , لكن هل ستسمحون لي بالخطابة حينها.؟ _ سنسمح , لما لا ؟ نحن في دولة (ديمقراطية) _ لكنني لست ببغاء لسياساتكم وبالتالي لن أتقن ( الديمقراطية) _ستتقنها , وما دام الجميع شرب من بحيرة الجنون فستغرفُ منها ذات يوم لتشرب.. وعندما اتصلَ أحدهم وأخبر ( عفيف بيك ) أن (متروك النادي) تقدم بشكوى ضد الحكومة يحملّها المسؤولية الكاملة عن اخطائه الإملائية والنحوية المتكررة والتي بدورها جعلته عرضة للإحراج المستمر بين زملائه ويالتالي أكسبته التردد والذي يسبب عادة زعزعة في ثقة الانسان بنفسه, ويالتالي جعلت منه مصابا بداء الكآبة والوحدة , مطالبا أياها_ أي الحكومة_ بغرامة مالية باهضة . صرخ ضاحكا : لقد جنً هذا الطبيب.......................... يتبع .
( الطابق الخامس) ج 5
صرخ ضاحكا : لقد جنً هذا
الطبيب.
هذه العبارة أيضا أوردتها بعض الصحف الموالية للنظام , على عكس بعض الصحف والمجلات التي أشادت بجرأة وموقف (متروك النادي) مرفقةً في مقالاتها وأخبارها بعض الأشخاص في الدول الغربية الذين قاموا بمقاضاة شركات عملاقة وبلديات على أمور صغيرة وتافهة . بعض الصحف ذكرت قصة: (اللص ديكسون) الذي قام بسرقة بعض محتويات أحد المنازل في (مدينة بريستول)،وقد حاول أن يخرج عن طريق (المرآب) إلا أنه لم يستطع لأن عطلاً مفاجئاً أصاب جهاز التشغيل الآلي الخاص بباب الكراج، ولم يستطع اللص أن يعود أدراجه إلى داخل المنزل لأنه كان قد أقفل الباب الذي يفصل بين المنزل وموقف السيارة الداخلي، ولأن أصحاب المنزل كانوا في إجازة لمدة أسبوع ، فإن ذلك اللص بقي محبوساً داخل المكان طوال هذه المدة ، عاش خلالها على بعض المشروبات الغازية، وطعام كلاب جاف كان مخزناً هناك، وبعد خروجه من السجن الذي أوقع نفسه فيه بسبب جريمة السرقة، رفع (ديكسون) دعوى قضائية ضد شركة التأمين المسؤولة عن ذلك المنزل حيث طالب فيها بتعويضه عن الآلام والأضرار النفسية التي لحقت به بسبب العطل المفاجئ الذي أصاب جهاز تشغيل باب الكراج الآلي، والمدهش في الأمر هو أن المحكمة التي نظرت تلك الدعوى استجابت لمطالب اللص وأصدرت حكماً يلزم شركة التأمين بدفع (نصف مليون دولار أمريكي لديكسون) على سبيل التعويض. وبالتالي بدت قضية اللغة التي أثارها (متروك) قضيةً عظيمة . وكلما شاهدتُ صوري بعدها تتصدر صفحات الجرائد والمجلات تذكرت باسماً ما قاله لي متروك : (أعدك , سأجعل منك أشهر محامٍ في الوطن وستتفاوض معك الحكومة لاسقاط هذه الدعوى , ستتصدر صورك واخبارك عنواين الصحف ونشرات الأخبار , إنه الدفاع عن اللغة, اللغة يا صديقي والتعصب لها , اللغة التي تحتوي على ثلاثة عشر مليون كلمة , ثلاثة عشر مليون كلمة ( وشدد على الأخيرة ), على خلاف ( وهنا ظهر التقزز على وجهه) اللغة (الانجليزية) التي تحتوي فقط على ستمائة الف كلمة فقط . قلت : لكنها لغة العصر. أكملَ كلامه كأنه لم يسمعني : مذا سنقول( لسيبويه) عندما يقابلنا في الجنة , سأحمرُّ خجلا منه_صدقني_ إن لم أحاسب الحكومة على استهتارها في تعليمنا أصول اللغة . سكتَ كمن يحاول البحث عن حجة مقنعة يدعم بها حديثه ثم أردف : (والخليل بن أحمد) هل يا ترى سيرد علينا التحية حينما يعلم أننا لحنّا في القول بعده .؟ لم يسعني حينها إلاّ أن اقول له : معك حق , لكن هل سنكسب القضية ؟ بدا أنه أصيب بخيبة أمل من سؤالي , فقال : بعد كل الذي قلتهُ لك تسأل . كم أنت غريب .!! قلت : أنا ؟ _ نعم أنت غريب . (_ الغريب هو الشيطان) _ من قال لك أن الشيطان غريب . _ هو مثل معبر. _ كلا , الشيطان ليس غريباً , الشيطان معروف من هو .معروف أصله وفصله وقصته, ومعروفة سلالته , ثم لا تنس أنه مذكور ومعرّف بالقران والانجيل والتوراة, أتعرف من هو الغريب ؟ قلت : من ؟ نظر من نافذة مكتبي الواقع في الطابق الخامس الى حيث اللاحدود وقال : الغريب هو الإنسان الذي يرضى أن يُسحق شعبهُ تحت نعال (أمريكا) . لا أظن الشيطان يتقبل ذلك لشياطينه صديقي.....................بتيع.
(الطابق
الخامس ) ج6
كثيرة هي المرات التي
اضطرت بها القاضية ( رفعت جقها)للضرب بمطرقتها على الطاولة ليعمًّ الهدوء
قاعة المحكمة بعد وشوشات الفضوليين والصحفيين المتكررة , أو الضحكات التي كان
يطلقها الحاضرون بين الحين والآخر وخاصة إن تحدث( متروك النادي) قالباً الحقائق
رأسا على عقب , فكثيرا ما كان يُطلبُ للحديث والشهادة, وهنا يحاول دمج الباطل
بالحق بطريقة مقنعة , كان يبرع بالكذب براعتهُ بالصدق ويبرع بقول الحقيقية
براعته بالباطل , ورغم صداقتي الوطيدة به إلاّ أنني لم أكن أفرّق بين هذه الحالات أبداً.
وأثناء ترافع ( محامي الإدّعاء) في بعض الجلسات تفاجأت حينما أمالَ رأسه نحوي هامساً: أتراهن أنني أروقُ للقاضية ؟ _ اسكت. _ هل تراهن ؟ _ اسكت؟ صمت قليلا لكنه عاودَ وأسرَّ لي : إذن.. هل تراهن أن أتناول معها العشاء يوماً؟ راقت ليّ الفكرة مستبعداً حدوثها فقلت : سأراهنك شريطة تناولك العشاء معها الليلة؟ تفحص وجهي مباشرة بينما تظاهرتُ بعدم الاكتراث ومتابعة( الادّعاء) , فوجهَ أنظارهُ صوب القاضية طويلاً , لكنني لم أتوقع أن ينهض فجأة ويقاطع الإدعاء مطالبا إياها التحدث مباشرة لدقيقة عن كارثةٍ تكاد تقع عليه في حال رفضها . وبعد أن حذرته تكرار هذا الأمر, مذكرة أياه بالقوانين سمحت له بالاقتراب والتحدث. لم يتجاوز حديثهما الدقيقةَ, لكنَّ علامات الدهشة والاستغراب بدت تزيحُ معالم الوقار عن وجهها كليلٍ أزاحه النهار ضمن لقطةِ تحولٍ مسرَّعةٍ في الأفلام الوثائقية, وللحظة لم أتبين إن كانت على وشك الضحك, أم الانفجار؟ لكنه استدار قافلا وأساريره تتهلل, وقبل أن يجلس سكبَّ قي أذني جملة : لقد خسرتَ رهانك يا صديقي !! اضطررت أن اعترف بتفوقه عليّ في عالم النساء عندما قال لي عبر الجوال: هناك من يود التحدث اليك ؟ وقبل أن آذنَ له أو أرفض شعرت أن الجوال في مرحلة جذب وسحب مصاحباً لبعض الوشوشات : لا لا , أرجوك, ماذا سيقول عني صديقك؟ لكنَّ ضحكةً عالية هربت منها بعد ثوانٍ من السكون قبل أن تلقي على مسامعي المندهشة تحيةَ المساء بنعومة ودلعٍ , يستحيلُ معها أن تصدق أنها خرجت متمايلة من نفس الشفاه التي تنساب منها العبارات المباشرة والجمل الموزونة والقاسية مذ شاهدّتُها في أروقة المحاكم. كيف استطاع أن يرّوض هذه النمرة الخمسينية بأقل من دقيقة ؟ وكيف جعلها تخاطر بالدخول معه في علاقة كارثية؟ لست أدري!! ( فجقها) من طينة النساء اللائي قد يخسرن كل شيء مقابل التفوق على الرجل , قد تبذل مجهودا خرافيا في تحصيلها الدراسي, وقد تنقسم حياتها بعد ذلك للعمل والنوم فقط . وتبدو مخلصة للعمل أكثر من الإخلاص نفسه, ودقيقة أكثر من الدقة نفسها , ولن تمتلك أزهارا على شرفةٍ تتناوب على رعايتها باستمرار,أو قطة تلاعبها في أوقات فراغها على الكنبة. تسير على عجلٍ وتقود السيارة على عجل ,وتبدو مشاعرها الأنثوية كثلوج لا تشرق عليها شمس الحب والرغبة يوما . وبعد أن تقف على أفولِّ عمرها وذبول شبابها . وتنقرض عبارات التودد والتحرش على ألسنة الرجال, وتدرك أنها لم تعد الوجبة الدسمة الساخنة التي يحلم بها الجائع منّا, وتكتشف أن مجتمعاتنا العربية_ شاءت أم أبت _ مجتمعات ذكورية تبادر مسرعةً لإنشاء جمعية نسوية مطالبة بحقوق المرأة, وتنهي مشوراها الكفاحي بعد ذلك وحيدة في شقة فخمة إلاّ من بعض شهادات مبروزة وأوسمة وصور تذكارية مع فخامته وجلالته وسيادته ومعاليه ودروعٍ يكذبُ صاحبها . ....................يتبع
مظهر
عاصف ... شاعر من فلسطين
_________________________
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق