"جنون"
علي جعبور ... اليمن
في الطريق إلى المدرسة، عند منعطف الوادي تماما
كانت تتوكأ على عصاة طويلة ذات نتوءات كثيرة وتعتمر قبعة مهترئة تظهر إحدى
ذؤابات شعرها الأبيض من تحتها، ظهرها متقوس كالهلال ، تحوط معصميها سواران فضيان
كبيران وترتدي قميصا أحمر فضفاض يشبه قميص جدتي ، كانت قد عقدت كميه الواسعين ما
بين كتفيها تاركة ذراعيها عاريين. وغير بعيد عنها شاتان بيضاوان تلتهمان الحشائش
بنهم. ظننت لأول وهلة
أنها جنية ظهرت من بين الصخور الكبيرة الجاثمة وسط الوادي. تراجعت خطوتين للوراء ، ثم تقدمت بتخوف ووجل. قرأت بعض الأيات والتعاويذ التي حفظتها ثم
واصلت السير نحوها وبدأت أتنحنح وأعلق برجلي في أحجار صغيرة وأضرب فخذي بكفي ،
محدثا فرقعة وطقطقة وصلصة. استدارت بجسدها
الهزيل الى أعلى الوادي ، فرأيت وجها ثمانيني طمرته التجاعيد وغيرت تضاريسه
السنوات .
بسطت
كفها فوق حاجبيها بمحاذاة حافة القبعة، لتتقي أشعة الشمس وأخذت تبحث عني بعينين
غائرتين. وحين اقتربت منها
عرفتها وعرفتني فسلمت عليها وكان أول سؤال تسألني إياه عن صحة صديقتها جدتي. ولم تنسى بعد أن أجبتها أن تحملني السلام
إليها.. وقبل مغادرتها لاحقتني بسؤال عن جدي قائلة: هل لا زال جدك بنصف عقل؟ فقلت
لها: إن الجن تزوره أحيانا فيضربنا ويضرب جدتي ويخرج هائجا لا يدع شيئا يصادفه
إلا هوى عليه بعصاته الغليضه! وحين يستعيد عقله يعتذر للجميع إلا جدتي فإنها
تعود إليه دون اعتذار! استعاذت بالله من
شره. ثم أنشأت تقول: لقد
عرفت جدك وعقله يزن الجبال لكن الناس كانوا يتحدثون عن علاقته بالجن وأن لديه
كتابا يفتحه لتهب إليه الجن كالقرود حين ترد بركة الماء! ليته لم يدخل الكتاب ولم يقرأ حرفا قط. وأنت يا ولدي أين تذهب؟ لو أنك اشتغلت برعي
شياه أمك لكان خيرا لك من هذه المدرسة اللعينة.! أتود أن تصبح مجنونا كجدك؟ حيرني سؤالها _بل
أخافني_فمضيت ولم أجد له جوابا حينذاك.. لكنني لو مررت اليوم بنفس الطريق لقلت
لصخور الوادي الكبيرة التي كنت أتخيل دائما أنها تكرر علي نفس السؤال؟! بالطبع إنني الآن مجنون حقا.! ولكن ليس كجنون
جدي ابدا .
علي جعبور ... اليمن
_____________________________________
|
الثقافي ثقافي : صحيفة اسبوعية تعني بالشؤون الثقافية .. تصدر من على صفحات المنتدى الثقافي ثقافي . تصدر اسبوعيا صباح كل يوم سبت _ صحيفة الثقافي ثقافي لاتتحمل أية مسؤولية عن المواد المنشورة , ويتحمل الكتاب كامل المسؤولية عن كتاباتهم التي تخالف القوانين أو تنتهك حقوق الملكية أو حقوق الآخرين أو أي طرف آخر . .راسلونا :alaahamied1@hotmail.com __ اتصلوا بنا :0045.91454973 الجمعة والأحد... عطلتنا ..______ كوبناهاكن العدد ( 24 )السنة الأولى / السبت 7 / 6 / 2014
المشاركات الشائعة
-
قصتان قصيرتان جدا ابراهيم كمين الخفاجي .... العراق نكاح .. ق ق ج ضمخ الخطيبان هدمهما بالمسك والعود استعدادا للمثول أما...
-
"تعبتُ مِنَ الموتِ يا جُثَّتِي" - شعـر: محمد علي الهاني الفوَانِيسُ تَلْهَثُ في أَوَّلِ السَّطْرِ آهٍ... تعب...
-
كحلها الداكن فخري السلفاني العراق أيقظت وحي الشعر من سباته واجتثت من جوفي الكلمات جعلتها ترقص على صهوة ل...
-
الشيء الجميل وضاح صبوح سوريا هو الشيء الذي لم يسقط بعد من فضاء المخيلة -1- تخيل أن تمتطي حصانا .....
-
أراجع حساباتي عود الارائك ... العراق فترتجف ألكلمات . يسقط كوكبا كان بريا ...
-
كاملة سوالف عتيجة عادل وطن .. العراق صويحب چان رجال فقير من اهل الله ، وعنده مرة أس...
-
رَن قلبي منى البكر فلسطين ... هاتفي رنّ منذ ساعاتٍ أقصدُ منذ سنوات لم ينزعج منکْ ب همس .. سبحان من يُغير الاحوال مابين ...
-
قطاف القبل سنية السعدي تونس أسراب القطا تسامرني تفتح أزار القميص زرا زرا متأملة جراح صدري العاري تصطبغ أجن...
-
قدها سيف على أعمدة العهــــد ==================== شعـــر : محمد العصـــــــــــــامي ==================== استهلال كلما تهت ...
-
اخر الليل بهية مولاي سعيد مطر يخدش حياء النوافذ يبللها برضابه الشفاف حملته غيمة تائهة عن س...
الخميس، 1 مايو 2014
"جنون" علي جعبور ... اليمن ...........
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق