المشاركات الشائعة

الخميس، 1 مايو 2014

"جنون" علي جعبور ... اليمن ...........

















 

"جنون"
علي جعبور ... اليمن


 في الطريق إلى المدرسة، عند منعطف الوادي تماما كانت تتوكأ على عصاة طويلة ذات نتوءات كثيرة وتعتمر قبعة مهترئة تظهر إحدى ذؤابات شعرها الأبيض من تحتها، ظهرها متقوس كالهلال ، تحوط معصميها سواران فضيان كبيران وترتدي قميصا أحمر فضفاض يشبه قميص جدتي ، كانت قد عقدت كميه الواسعين ما بين كتفيها تاركة ذراعيها عاريين. وغير بعيد عنها شاتان بيضاوان تلتهمان الحشائش بنهم. ظننت لأول وهلة أنها جنية ظهرت من بين الصخور الكبيرة الجاثمة وسط الوادي. تراجعت خطوتين للوراء ، ثم تقدمت بتخوف ووجل. قرأت بعض الأيات والتعاويذ التي حفظتها ثم واصلت السير نحوها وبدأت أتنحنح وأعلق برجلي في أحجار صغيرة وأضرب فخذي بكفي ، محدثا فرقعة وطقطقة وصلصة. استدارت بجسدها الهزيل الى أعلى الوادي ، فرأيت وجها ثمانيني طمرته التجاعيد وغيرت تضاريسه السنوات . بسطت كفها فوق حاجبيها بمحاذاة حافة القبعة، لتتقي أشعة الشمس وأخذت تبحث عني بعينين غائرتين. وحين اقتربت منها عرفتها وعرفتني فسلمت عليها وكان أول سؤال تسألني إياه عن صحة صديقتها جدتي. ولم تنسى بعد أن أجبتها أن تحملني السلام إليها.. وقبل مغادرتها لاحقتني بسؤال عن جدي قائلة: هل لا زال جدك بنصف عقل؟ فقلت لها: إن الجن تزوره أحيانا فيضربنا ويضرب جدتي ويخرج هائجا لا يدع شيئا يصادفه إلا هوى عليه بعصاته الغليضه! وحين يستعيد عقله يعتذر للجميع إلا جدتي فإنها تعود إليه دون اعتذار! استعاذت بالله من شره. ثم أنشأت تقول: لقد عرفت جدك وعقله يزن الجبال لكن الناس كانوا يتحدثون عن علاقته بالجن وأن لديه كتابا يفتحه لتهب إليه الجن كالقرود حين ترد بركة الماء! ليته لم يدخل الكتاب ولم يقرأ حرفا قط. وأنت يا ولدي أين تذهب؟ لو أنك اشتغلت برعي شياه أمك لكان خيرا لك من هذه المدرسة اللعينة.! أتود أن تصبح مجنونا كجدك؟ حيرني سؤالها _بل أخافني_فمضيت ولم أجد له جوابا حينذاك.. لكنني لو مررت اليوم بنفس الطريق لقلت لصخور الوادي الكبيرة التي كنت أتخيل دائما أنها تكرر علي نفس السؤال؟! بالطبع إنني الآن مجنون حقا.! ولكن ليس كجنون جدي ابدا .



علي جعبور ... اليمن

 
_____________________________________







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق