قراءة في شاعرية (مكي الربيعي )
كتب: طارق الكناني
العراق
لست ناقداً أدبياً ولكني متذوقاً
للشعر أرحل مع الكلمة حيث تريدني أن أصل وأعيش داخل الصورة البلاغية للنص الشعري
بكل تفاصيلها وأحدد مكاني داخل هذا النص لأرى فحوى وتداعيات الحدث الذي يرسمه
الشاعر واخلص للغاية التي كان الشاعر يريد أن يصل إليها أو كما أتخيلها أنا من
منظوري الخاص وارسم توقعاتي الخاصة بهذا النص .
ولطالما قرأت للكثير من شعرائنا في المهجر ولا أريد أن أحدد أسماء معينة ولكنني حين قرأت للشاعر الربيعي تملكني شعور مختلف تماما وقد كان أسلوب الربيعي من السهل الممتنع ، والحق أقول كلما قرأت نصاً نثرياً للشاعر (مكي الربيعي) تصيبني حالة من الذهول ، فمن المعروف عن القصيدة بصورة عامة هناك بيتاً شعرياً يمثل (بيت القصيد) يحاول أن يصل الشاعر من خلاله إلى غرض القصيدة أو المعلومة المهمة التي كتب القصيدة من أجلها فهو يتصاعد بالبناء الدرامي للحدث حتى يصل الذروة في نصه ومن ثم يضعنا بصورة مباشرة أو غير مباشرة أمام الحدث الرئيسي في النص بحيث يفرض علينا توقفاً لنتأمل ماذا أراد الشاعر بهذا، لكننا حين نقرأ في شاعرية الربيعي لا نتمكن من احتواء القصيدة بل هي التي تحتوينا بغزارة الحدث وصورها البلاغية التي تبدأ من الشطر الأول بالقصيدة حتى نهايتها، فالربيعي شأنه شأن كل الشعراء حين يعتصره الألم وحين يداهمه الخطر وهنا لا أقصد الخطر الشخصي فقط ،فالخطر الذي يتعرض له الوطن جعل الربيعي يعتصر ألماً ففي كتاباته بعد أحداث 10-6-2014 قفزت إلى ذهن الربيعي صورة اختزنها في ذاكرته وهي أحداث العام 1991 وما آلت إليه الأمور في تلك الحقبة ،نراه قد نشطت عنده الذاكرة وراح يسطر خوفه وألمه صوراً قل نظيرها . ففي هذا النص شاحبٌ وجه الهواء ، وكأنهُ لم يأخذ البارحة كفايته من النوم . هذا الاستهلال للنص يمثل بحد ذاته صورة شعرية كاملة تفهم من خلالها حالة الخوف بل حالة الموت المسيطرة على الجو العام للبناء الدرامي للقصيدة فحالة الهلع والخوف تفوح من النص ويمكن للمتلقي أن يستنتج ماهية الحالة العامة وتصورات الشاعر عن الأجواء المحيطة به أو التي استشعرها أو الظرف الذي أدى به إلى أن يستعيد المخزون في ذاكرته حول ما يحدث في تلك الظروف فنحن هنا لا نريد أن نحمّل النص أكثر مما يحتمل ولكن الصورة كانت متكاملة لوصف الجو العام . ويستطرد الربيعي في استكمال رسم صورته الشعرية المذهلة تلك ويضعك في قلب الحدث بانسيابية تكاد تنطق من الوجع والألم دون فتور في مشاعر المتلقي مما يجعلنا ضمن إطار الصورة الشعرية وكجزء لا يتجزأ منه
يدٌ باردةٌ ، غرفةٌ باردةٌ ، فراشٌ
باردٌ ، ثوبٌ باردٌ ، وحمام
ميت ينضجُ الرفيفَ بأجنحته . ثمة أشجارٌ مبعثرةٌ وعليها آثار فؤوسٍ شرسة ، وعلى الرف بلبلٌ يستعيد موتهُ من فم الحديقة .
يستنهض الربيعي تلك النغمة الإلهية
ومن خلال اللون البهيج للحياة فيرسم صورة تستوقفنا كثيرا ومن خلال البلبل
والحديقة التي تنبعث منها حياة جديدة فبعد أن وثّق الحدث من خلال الشطر الأول يدٌ
باردةٌ....... أشجار مبعثرة وعليها آثار فؤوس هذه الصورة هو ما عليه الوضع
العام ولكن هذا الوضع المزري انكشف عن ثمة أمل في أن نستعيد الحياة ، ففي هذا
النص ثمة أشياء عميقة المعنى سطرها الربيعي ضمن سلسلة متلاصقة من الأحداث فهو
يتابع حالة ولادة الحياة ويعطي أملاً أخضر في انبعاثها من جديد فصباح جديد يشرق
في تغريد ذلك البلبل .
من شجرة الشك وحدها ،
يمكنُ أن نقطف ثمار الحقيقة هذه المحاكاة التي بدأها الشاعر في مناقشة الوضع العام أراد أن يرسل رسالة للمتلقي بأن ليس كل ما يرى ويُسمَع هو يمثل الحقيقة فالحقيقة قد تكمن في الصمت أو في أروقة الخوف والشك وحده هو الذي سيجعلنا نستخلص الحقيقة من كثرة التفاصيل المحيطة بالحدث وهو مبدأ يتفق عليه كل العقلاء وأراد الشاعر في هذا المقطع من النص أن يقدم لصورة أخرى فالنص مازال ينبض بالحياة ويحمل من الصور الشعرية التي تفاجئ المتلقي بتنوعها ومعانيها .
الأبجدية أول انعكاس الضوء على جسد
الطبيعة .
لنكسر القفص ، أسألهُ : على أي شيءٍ تربت يدكَ يا أبتِ ؟ الوهم لا ظهر له . أخاف أن تستدرجك العصا ، أخاف أن تستأنسَ برأيها ولا نصل البيت . وهكذا يمضي شاعرنا الربيعي في استخدام ريشته الشعرية لرسم صورة لا تقل روعة وجمالاً عن ريشة أي فنان ففي مقطع (الوهم لا ظهر له) صورة شعرية جديدة ترقى إلى مستوى الحكمة وهي صورة قل نظيرها في الشعر الحديث ، ويستكمل الربيعي نصه الشعري بتساؤلات هي الأخرى تفاجئنا (أخاف أن تستدرجك العصا ) فهذا المقطع يحمل كماً هائلاً من المعاني وترك للمتلقي حرية التماس الحقيقة المتوارية بين كلمات النص وماهية العصا التي أراد الشاعر أن يعبر عن خوفه منها فالعصا عندما تكون بيد الحاكم تعني شيء آخر غير العصا التي تكون بيد الشيخ وكذلك ترك معنى الأبوة مفتوح للمتلقي ويستمر بنصه (أخاف أن تستأنس برأيها ولا نصل إلى البيت) فهذه تساؤلاتٌ خائفة من مصير مجهول يكتنف البلد طرحها شاعرنا الربيعي وهو في حالة انصهار تام مع ما يحدث في الوطن الأم وكأنه قد عاش الحدث آلاف المرات . هذه هي السمة الغالبة على نصوص الربيعي فشاعريته قل نظيرها ونصوصه ترسم لنا صوراً متعددة في نفس الوقت وسأكتفي بذكر هذا النص أيضا لأترك الحكم للقارئ
ثمة عويلٌ ،
ثمة حصانٌ سرجهُ مخلوع ، ثمة قميصُ قتيلٍ تتقاذفهُ الريح ، تشيلهُ وتحطهُ ، ولا أحدَ ينتبهُ إليه . يركضُ خلفهُ الأطفال ، يقذفونهُ بالحجارةِ ويضحكون . في الظلام يلمعُ دمهُ ، ساعتهُ ، أسنانهُ ، ثقب الطلقة في جبينهِ ، وبيضة الطائر الذي بنى عشهُ هناك
طارق
الكناني ... العراق
|
الثقافي ثقافي : صحيفة اسبوعية تعني بالشؤون الثقافية .. تصدر من على صفحات المنتدى الثقافي ثقافي . تصدر اسبوعيا صباح كل يوم سبت _ صحيفة الثقافي ثقافي لاتتحمل أية مسؤولية عن المواد المنشورة , ويتحمل الكتاب كامل المسؤولية عن كتاباتهم التي تخالف القوانين أو تنتهك حقوق الملكية أو حقوق الآخرين أو أي طرف آخر . .راسلونا :alaahamied1@hotmail.com __ اتصلوا بنا :0045.91454973 الجمعة والأحد... عطلتنا ..______ كوبناهاكن العدد ( 24 )السنة الأولى / السبت 7 / 6 / 2014
المشاركات الشائعة
-
أنثى القمر لمى الجندي .. سوريا ............... أنا الشمس التي أبت إلا أن تغرب ...
-
قصتان قصيرتان جدا للقاص ابراهيم كمين الخفاجي .... العراق بانتظار الغرق ... هب...
-
صمتك وعيوني نجوى سالمي .. تونس احيانا يغلبي دمعي حين تتحدث تخترقني كلماتك كسهم يجرح ...
-
وداع....خريفي جمانه رواس لبنان .......................... ودّع الرصيف غباره بعد عاصفة رحيلها تركته وحيدا ......
-
ظــــــــــلال ... خالد العزاوي .... العراق ------------------------ فاتك العمر .. ...
-
أمطرت حبّاً سامية خليفة .. لبنان احتبسْتُ الدّمعَ ولكنْ كانَ في...
-
جنون المطر أمينه دياج الشعلان .. المغرب للمطر أجنحة كالعصافير تحوم في ال...
-
البيان الشعري ..... ايمانا مناّ ومن ضمن المنطق الفلسفي والجمالي للشعر ... نعلن هنا بعيد الشعراء...
-
توقيت : سالار معروف ... العراق .......... إبانَ ألعصرِ قبلَ ألمغرب كانَ إلتقانا ...
-
.............. هنـا العـراق ............. عبد الكريم القصاب العراق ( مخاض ) السماءُ مطليّةٌ بالقارِ ، والأبراجُ ال...
الجمعة، 20 يونيو 2014
قراءة في شاعرية (مكي الربيعي ) / كتب: طارق الكناني ، العراق ....
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق