خطوات سوداء على مرايا الأسفلت
جنان جرجيس
العراق
الجو كان رمادياً,
رسِمَ الشتاءُ
على محياه لوحةً ملونةً بالأبيض
والرمادي والماسي ,خطوطها
تحاكي رؤى العصافير والأرواح،
وربما تحاكينا, ترك النّدى
بصماته
في كل مكان,وبقايا كراتٍ
لؤلؤيةٍ
معلقةٍ في اللامكان ,كان وقعِ
خطواتهما يُسمعْ على مرايا
الطريق الإسفلتية... هي وهو .
دخلا مطعماً صغيراً
ذو بوابةٍ
متحركة. إختارت هي منضدةً
بمحاذاة شباكٍ زجاجيٍ كبير ,وبعد
أن جلسا وأحتضنهما المقعدان
بين
جنباتهما,نظرت هي إلى الرّصيف
من زجاج النافذه تراقب الشارع
وواجهات المحلات، ثم رفعت
عينيها الى السماء . وبعد تنهيدةٍ
جميلةٍ التفت إليه وتأملت
عينيه
الرماديتين .
هي: (بأبتسامه
دافئه)لون عينيك
مثل السماء ولكن في فصل
الشتاء فقط .
هو: (تلمسَ يدها بحنان ونادى
على النادل).... القائمة من
فضلك
هي:(اختارت طبقها المفضل مع
العصير. وأضافت بعجل).. مع
الثلج
لو سمحت .
هو: سأل النادل عن أصناف الطعام
واختار أكبر وأفضل طبق في
القائمة...ثم تذكر المقبلات والعصير
كان صوت الموسيقى يعصف
بالمكان , ويترك الخيالات
للزبائن
تتأرجح بين أحلامهم الملونة .
أحضر النادل الطعام
ووضعه على
المنضدة .
نظرت الى كأس العصير البرتقالية
وتأملت الثلج المتراقص فيه ثم
رحلت بعينيها وحطت بهما بين
رماديات عينيه .
هي: حبيبي لو أن جميع الألوان
سافرت عن هذا العالم لأصبح
لونه
رمادي مثل عينيك..لكني سأحبه
أكثر .
هو : (بابتسامة) لكني لا أرى
من
هذا العالم غيرك أنتِ .
قبلته بعينيها
وأبتسمت.مدّت يدها
الى الشوكة وزحفت الاخر الى السكين
و فجأة !!!
توقفت الموسيقى كأنها كانت
فارساً أنتحر على انقاض حزنه
الهارب مع البطولات, وفتح
النادل
المذياع على عجل جاءَ الصوت
يقول :
انفجاران في شمال العاصمة
والضحايا عشر قتلى وعدد من
الجرحى
انفجار في جنوب العاصمة وراح
ضحيته ثلاثون قتيلا
وعشرات الجرحى
انفجار في
شمال شرق العاصمة
خمسة قتلى وأربعة عشر من
الجرحى ..
المحصلة خمسةٌ وأربعون قتيلاً
وعشرات الجرحى .
سادَ الصمت لدقائق في
المطعم... بعدها
حركت الشوكة بين أصابعها
المرتجفة ونظرت الى الطبق
نظر الى طبق الطعام وأمسك
الشوكة وبدأ يأكل بشغف مثلَ
عاشق فارق حبيبته وألتقاها بعد
عام .
بدأت بتحريك ما بداخل
الطبق
وكأنها تختار منه ما يصلح
للأكل
التهم نصف الطبق مع شيءٍ من
المقبلات .
توقفت يدها عن الحركة
وتأملت
وجهه المغمور بالطعام
في لحظة انتشاء شرب العصير
اغمضت عينيها وأحست بحرقةٍ
حزينةٍ فشربت قليلاً من الماء
.
اكمل طبقه ونادى على
النادل
بأشارة من أصبعه وطلب صحن آخر
.
أشعلت سيجارة وطلبت
من النادل
منفضة سكائر
نظر اليها وارتسمت على وجهه
ضحكةٌ حالمةٌ
تأملت وجه حبيبها وكأنها تراه
لأول
مرة
توقف عن الأكل ونظر إليها
بأستغراب ثم طلب من النادل أن
يسمعهما موسيقى جميلة
أنتبهت الى صوتها غير
المسموع،
والقادم من دهاليز ذاكرة ميتة
هو: ما بك حبيبتي لما لا تأكلين؟؟
هي: أكلت.
هو: (بنظرةٍ غريبةٍ)
..لكن الطبق كما هو
هي: نعم مثلما نحن
..لكني شبعت
هو: (بابتسامةٍ
قلقة)..شبعت من الهواء؟؟
هي: لا ..شبعتُ من الرياء .
هو: (نظر إليها
بإستكبار)..لم
أفهم !!!
هي: ولن تفهم .
هو: (بشيءٍ من
الإرتباك)
عصيرك..لقد ذاب الثلج
هي: (نظرت الى العصير .تذكرت
ثم تبسمت)..نعم لقد ذاب الثلج
رحلت معه كل الالوان ولم يبق
الا
الرمادي. بدأتُ أكرهه الآن
(قالتها
بألم وهي تنظر الى وسط عينيه
. )
هو: حبيبتي , هل أطلب لك طبقاً
آخر؟
هي: أتعلم..ربما أنا مثل هذا
الوطن .. لا يصلحُ لي إلا
رجلٌ حي
...
وأنت أنسان
ميت ,
(ثم أخرجت...
المحفظة من حقيبتها ووضعت النقود على المنضده وتركت المكان . )
هو: نظر اليها وهي
تخرج من باب
المطعم الدوار وصوت خطواتها
على
مرايا الاسفلت الاسود يدق في
قلبه مثل ساعة حائط قديمه
نسيها الزمن وبقيت عقاربها
تتراقص في أزمان مجهوله
.حينها
أطل من بين عينيه سؤال :من هو
الميت ؟ أنا أم الوطن؟؟؟
وحينها توقفت الموسيقى .
جنان جرجيس ...
تشكيلية عراقية
مقيمة في اليمن
...............................
جميلة جداً اتمنالك التوفيق واسئل من الله ان يسدد على طريق النجاح خطاكي
ردحذفسلمت يداك ياجنان ومزيدا من الابداع
ردحذفحين توقفت الموسيقى لازال ينتابني شعور بالرقص مع كلماتك تستمر الموسيقى ويستمر العزف
ردحذفإليك أكتب .. واصابعي ترقص على لوحة المفاتيح
ردحذفتعلم انها تكتب لكِ ..
اتيت لاقف بين سطوركِ
اتيت لامتع عيني
بعذب البوح وجميل الكلام
اتيت وقد شدني النور المنبعث
من هنا
وما ان صافحت عيناي حضوركِ المعطره
حتى صمت كل شيء
اجلالا واحتراما وتوقيرا لكلماتكِ الراقية
حروفكِ عندما تصافـح شرفـات البـوح ...
تسافر بي
نحوك. نحو إبداع ممتزج
بالرومانسية الحالمة
وأرخي سمعي لعزفك المنفرد
على أوتار العذوبة
مروري على أحرفــك
يجعلني أصل الى قمة الإستمتاع
كتابة ناصعة الأناقة منك
و ثناء يحملني للسحاب
الحالمون يصعب عليهم الرضوخ
تحت أشد الأضواء سطوعاً
تأبى أرواحهم إلا التعلق بأعطاف خيال وردي
روحانيتهم الجميلة تظل تغرد وحدها في سماء الواقع
ربما أنا مثل هذا
ردحذفالوطن .. لا يصلحُ لي إلا رجلٌ حي
... وأنت أنسان ميت ,.... جميل وابداع ما يخطه قلمك جنان
قصة اكثر من رائعة جميلة جداً .. سلمت يداك ووفقك الله من ابداع الى ابداع..
ردحذف