لو أني مثلكِ
دمشق !
حنان يوسف علي ....
سوريا
عنبيٌّ لونها السماء ، و الحرب تتأبط ذراعي ، تحرق
كُمّ السترة الجوخيّة ، أراها تكشط جلود القادمين و الغادين . تصمت الأرصفة
حولنا أَخرسَها و إيانا الصريرُ القريب . أخطو ببطء كمن آخا بينهما ، المسافة أطلتُ ثوبها عساه الزمن
يزيد مداه. هل حقاً لا أريدها الدربُ أن
تنتهي ؟ الموصومة بالدمع لحظاتها ؟ تصدح
بأذني موسيقا الغائب ، ياه ! يرحل من
نحبُّ هذه الأيام ، وعن أنفسنا نحن
الغرباء . الازدحام خانق ، يسرعُ الجميع نحو الحافلات القادمات ، لا مكان ،
يتعلقون ببعضهم خارج الأبواب ، ترى مالذي ينتظر هؤلاء الناس ليتراكضوا نحو
الأماكن مسرعين ؟ أماكن حديثة الذكريات ، أو عديمتها ! أماكن بالكاد تتعرف على
من بقي من مهجَّريها !
الصنوبر في دار الأيتام جانب الطريق يعرفني ، يطلقُ
الورق ، يعقدُ شَعر العابرين بأكوازه، و يبذرُ العبق عميقاً في الجدائل . طفلٌ
عاتبٌ في الشرفة يطلّ ، حافيا لما زرته
آخر مرة ، أنا من أخلفتُ وعدي بجزمة
العيد . لوّحتُ بيتمِ البلاد له ، بأحلام أطفال ينتظرون أهاليَ لا يعودون ،
بقصائدَ وطنٍ منسية ، بألوان الأمل ، بأجراسه الخجلى ، بورديّ أغلفةٍ غافية
الهدايا . لمَ يخذل الآباء أبنائهم و يمضون باكراً ، تسائلتُ ! هل على رواد
الحياة أن يكونوا مخذولين ، أن يشربوا الانتظار اليائس و تستوطن أحلامهم العتمة
، أن يتذوقوا القهر ، ليدركوا حلاوة الفرح ؟
من الطريقين ،
الرصيفَ اليساري أختار . السياراتُ قادمة صوبي ببطء ، لا تطفئ أبواقُ الضجيج
توقدَ الذكريات . ضبابُ الواجهات المتحركة
يخفي تقاسيم الوجوه و غبرة همومها . " لا تسرْ عكس التيار ! و لو
كان النهر أضاع طريقه نحو بحره ؟ و ضفتيه لا يرسو حولهما الحور و الصفصاف ! و لو
كان مجراه رمالاً تبتلعه قطرة قطرة !
معاكسة اتجاه السيارات أعبر ، أتلمس توازن خطوتي و أمان المسير . في جيوبي
أخفي يديّ، باردةٌ شتاءات الحرب ،
متجمدةٌ حتى السطوع شمسها . و مشتعلةٌ حتى الإحتراق أفكاري .
يا دمشق ! لو أني مثلك يطوقني قاسيون ، لم أكن لأرتاب
من أسودَ الدخان في أطراف الحارة البعيدة ، فأستعيد برعبٍ ذاكرةَ الاتجاهات ،
كنت أدركتُ أن غيمة ملطخة بالرصاص تعبر
الأمكنة ، و تسحلُ ذكراها تحاول الهروب . لم أكن لأرتبك لمّا تغدق ظلمتها
صخرةٌ داكنة جلستْ جانبي و أخفت في عفن
سترتها الشمس ، لم تكن يدها الضخمة لتلصقني بشباك الحافلة و كتابي و موسيقاي . و
لم أكن الغريبة أنا في طريق لا تودي إلى حينا ، أن أنزل في أقرب محطة ، لأمشي
ساعات أتحسس الدرب بما بقي فيه من زيزفون ، و أتمعن في الخطوة و لا أراها ، و
أتلمس وجنتي الغارقة بملحها و لا أجدها .
لو أني مثلك
دمشقُ يرافقني وجه الياسمين ، لما كانت لتوقفني حواجز الطرقات ، و تبحث في
ملفاتها عن هويتي و لا تعرفني. لم أكن لأخشاه الغريبَ العابرَ في الزحمة ، و
أرقبُ بقلقٍ جعبة كبيرة يحمل . لم أكن لأفقد صوتي و هو يسألني عن عنوانٍ قريب .
لم أكن لأتعثر بجليد المسافة و حجارةِ البيوتِ المنهارة ، لم أكن لأمرّ بأطفال
يتحدون الخوف بكراتِهم ، و لا أخلع عكازي الخشبي ، و أركض بطفولةٍ معهم .
حنان يوسف علي .... أديبة من سوريا
______________________________
|
الثقافي ثقافي : صحيفة اسبوعية تعني بالشؤون الثقافية .. تصدر من على صفحات المنتدى الثقافي ثقافي . تصدر اسبوعيا صباح كل يوم سبت _ صحيفة الثقافي ثقافي لاتتحمل أية مسؤولية عن المواد المنشورة , ويتحمل الكتاب كامل المسؤولية عن كتاباتهم التي تخالف القوانين أو تنتهك حقوق الملكية أو حقوق الآخرين أو أي طرف آخر . .راسلونا :alaahamied1@hotmail.com __ اتصلوا بنا :0045.91454973 الجمعة والأحد... عطلتنا ..______ كوبناهاكن العدد ( 24 )السنة الأولى / السبت 7 / 6 / 2014
المشاركات الشائعة
-
قصيدة أيهاب ومعلم الحساب حيدر الفتلاوي العراق معلم الحساب .. أشار في أصبعه وقال : أيهاب عد لنا للعشره فقام من مكانه ...
-
لميس ملحم شاعرة من سوريا لميس ملحم تكتب قصائدها بشكل لحظوي وهي صاحبة امكانية جميلة في الكتابة وادارة القصيدة فنيا نعرض بعض ق...
-
نار مقدسية أمل حسن ... فلسطين ــــــــــــــــــــــــ لك الصخرة تغني ...
-
وسام : سالار معروف ... العراق .......... عانَقَتني بدموعٍ لَم أراها قَبلَما بقَ...
-
خِيْانــــــــــــــــــــــــ ــــــــــةٌ حسن هادي الشمري العراق السَـــيْفُ ... أَصْدَقُ أنْباءً مِنَ الكُتبِ * ...
-
حدث ذلك بعد الموت بسنوات !!!!! سعدي عباس العبد ... العراق ** في نهار ما , من ...
-
( إمارة لصوصستان الإسلامية ) يحي السماوي العراق ________ بعد أن أكمل الخليفة توقيع البريد اليومي المتعلق بأحوال رعيته في...
-
الشاعرة والقاصة العراقية وفاء عبد الرزاق تفوز بجائزة ( أكيودي ) رواية ( حاموت) للش...
الأربعاء، 23 أبريل 2014
لو أني مثلكِ دمشق ! حنان يوسف علي .... سوريا ..........
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق